ومنها: أن البناء على القبور فيه التشبه باليهود والنصارى, فيكون هذا الواقع في هذه الأمة مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لتركبن سنن من كان قبلكم» , قالوا: اليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟ ». وعلى هذا فالذي يبني مسجدًا على القبر مشابه تمامًا لليهود والنصارى.
ومن فوائد الحديث: وجوب هدم المسجد المبني على القبر, وجه الدلالة: أن البناء هذا من كبائر الذنوب ولا يجوز إقرار الكبائر, هذه واحدة. ثانيًا: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهدم المسجد الضرار. مع أنه لم يبن على قبر لكن فيه مضارة لمسجد إلى جانبه, فما كان وسيلة إلى الشرك فهدمه من باب أولى.
ومنها: مسألة اختلف فيها هل تصلح الصلاة في هذا المسجد الذي بني على القبر أو لا تصح؟ في هذا خلاف بين أهل العلم منهم من قال: إنها تصح؛ لأن المحرم هو بناء المسجد, وهو منفصل عن الصلاة, ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الصلاة في المساجد المبنية على القبور فهو كما لو صلى الإنسان في مكان مغصوب, والراجح أن الإنسان إذا صلى في مكان مغصوب فصلاته صحيحة مع الإثم وهذا مذهب الأئمة الثلاثة, القول الثاني: أن الصلاة فيه لا تصح؛ لأنه منهي عنها بطريق اللزوم, وهو أن الصلاة في هذا المسجد وسيلة إلى عبادة صاحب القبر فتكون منهيًا عنها نهي الوسائل, وإذا كان العمل منهيًا عنه صار إيجابه مضادة لله ورسوله, فيقتضي المنع منع تنفيذ هذا الشيء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» وهذا القول أقرب للصواب, إن الصلاة في المساجد المبنية على القبور حرام غير صحيحة, لاسيما إذا كان المصلي ممن ينظر إليه النار نظر إمامة؛ أي: أنهم يقتدون به, فهنا يتضاعف الإثم ويقوى القول بأن الصلاة غير صحيحة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الشرع يتفاضل لقوله: «أولئك شرار الخلق» وهو كذلك كما أن الخير يتفاضل, ويلزم من هذا أن تتفاضل الأعمال, ويلزم لزومًا آخر أن يتفاضل العمال, وهذا هو الحق أن الأعمال تتفاضل صالحها وسيئها, وأن العمال يتفاضلون بحسب أعمالهم, وعليه فنقول: الإيمان يزيد وينقص؛ لأن العمل من الإيمان؛ إذا تفاضل العمل لزم من ذلك تفاضل الإيمان, وهذا هو الحق أن الإيمان يتفاضل يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية, ويزيد أيضًا لقوة الآيات المشاهدة وضعفها, فإن الإنسان كلما شاهد الآيات ازداد إيمانًا بالله عز وجل ولهذا قال إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: {رب أرني كيف تحي الموتى قال أولم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} [البقرة: ٣٦٠]. والإنسان يشاهد هذا في نفسه كلما رأى آية عظيمة خارجة عن المألوف