صلى الله عليه وسلم أراد المبادرة بالتطهير؛ لأنه لو تركها حتى تطهر بالشمس والريح، قد تبقى يومين أو ثلاثة أو أكثر، وإزالة النجاسة من المسجد واجبة على الفور، وهذا لا يحصل إلا بالماء.
ومن فوائد هذا الحديث: أن تطهير المساجد من النجاسة فرض كفاية، وجهه: أن الرسول - عليه الصلاة والسلام- أمرهم ولم يشارك، ولو كان فرض عين لكان هو أول الفاعلين له لكنه فرض كفاية، وعلى هذا فمن رأى نجاسة في المسجد وجب عليه أن يزيلها، فإن لم يتمكن وجب عليه أن يخبر المسئول عن تطهير المسجد وتنظيفه.
ومن فوائد هذا الحديث: الأخذ بالقاعدة المشهورة المعروفة: أنه إذا لم يمكن إزالة المنكر إلا بما هو أنكر فإننا لا ننكر لماذا؟ لأن ارتكاب أخف المنكرين أولى من ارتكاب أعظم المنكرين، وهذا واضح؛ يعني: إذا كان ينتقل إلى منكر أعظم معناه أنه جاء بالمنكر الأول وزيادة وهذا لا شك أنه زيادة في المعصية والنكارة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي لمن أنكر المنكر أن يبين السبب، لأن الرسول - عليه الصلاة والسلام- لما بين للأعرابي أن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى والقذر، بين لماذا بنيت والأعرابي لا يدري، جاء برحة واسعة يحسبها كسائر المحلات والأمكنة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي، بل يجب على الإنسان أن ينزل كل إنسان منزلته، لو أن الذي حصل منه البول في المسجد كان رجلا من أهل المدينة ممن يعرفون الأحكام الشرعية ما نعامله هذه المعاملة، لكن عاملنا هذا الأعرابي لأن الغالب عليه الجهل، وعلى هذا فيكون من قواعد الشريعة: أن الإنسان ينزل الناس منازلهم.
هل يؤخذ من هذا الحديث نجاسة البول؟ نعم، لأن الرسول - عليه الصلاة السلام- أمر بتطهير الأرض منه، وعلى هذا فالذي يخرج من الإنسان من بول أو غائط يكون نجسا، أما العرق والريق والقيء والدم وما أشبه ذلك فهو محل خلاف بين العلماء، لكن الذي يتبين أنه ليس بنجس؛ لأنه ليس في الكتاب والسنة ما يدل على نجاسته والأصل الطهارة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن المؤمن لا ينجس". وإذا كان الإنسان إذا قطع منه عضو كبده أو رجله؛ فإن هذا العضو المقطوع ظاهر مع أنه مشتمل على الدم، فالدم الذي يخلفه غيره من باب أولى، لكن جمهور العلماء على نجاسة دم الإنسان إلا أنه يعفى عن يسيره، فمن احتاط لدينه وقال: إن غسله أحوط فلا حرج عليه.