للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والغالب أنه ينزف منه الدم ويموت الإنسان, لكنه دعا الله عز وجل ألا يميته حتى يقر عينه في بني قريظة؛ لأنهم كانوا حلفاءه, «فضرب عليه النبي صلى الله عليه وسلم خيمةً في المسجد» أي: مسجده, والخيمة: هي عبارة عن خبار ينفرد به الإنسان, والمراد بالمسجد: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم, فـ «أل» في قوله: «في المسجد» للعهد الذهني؛ لأن العهود ثلاثة: الذهني: وهو ما يفهم بالذهن. والذكري: وهو ما سبق له ذكر. والحضوري: وهو ما عبر عن الوقت الحاضر, كقوله تعالى: {الآن وقد عصيت قبل} [يونس: ٩١]. وقوله: {اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: ٣]. فـ «أل» هنا للعهد الحضوري.

العهد الذهني: هو الذي يكون معلومًا عند الناس كما لو تقول: سنذهب إلى القاضي للتحاكم عنده, من القاضي؟ قاضي البلدة المعروف؛ لأن هذه تعين الإنسان بعينه.

العهد الذكري: أن يسبق لهذا المذكور؛ أي: للذي دخلت عليه «أل» ذكر مثل قول الله تعالى: {كما أرسلنا إلى فرعون رسولا (١٥) فعصى فرعون الرسول} [المزمل: ١٦]. من الرسول؟ الأول الذي هو موسى - عليه الصلاة والسلام -, إذن المسجد هنا للعهد الذهني؛ لأنه معروف عندهم.

«ليعوده من قريب» اللام هنا للتعليل, أي: فعل ذلك لأجل أن يعوده من مكان قريب. وقوله: «من قريب» أي: من مكان قريب.

هذه القصة سعدبن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس كما قلنا, وكانت بني قريظة حلفاء لهم, لما أصيب وكانت بنو قريظة قد نقضوا العهد سأل الله عز وجل ألا يميته حتى يقر عينه في بني قريظة, فاستجاب الله دعاءه, بقي جرحه ملتئمًا لم ينزف الدم حتى حصلت غزوة بني قريظة ونزلوا على حكم سعد بن معاذ رضي الله عنه, وظنوا أنه كقضية عبد الله بن أبي ابن سلول أنه سيطلب العفو والتجاوز, لكن هناك فرق بين سعد بن معاذ, وعبد الله بن أبي ابن سلول: الثاني منافق, والأول مؤمن, نزلوا على حكمه رضي الله عنه, فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليه من يأتي به من المسجدإلى بني قريظة وحضر, فلما حكموه قال: حكمي نافذ على هؤلاء, وأشار إلى النبي صلى الله عليه وسلم, لكنه قد غضب بصره احترامًا للنبي صلى الله عليه وسلم قال: وعلى هؤلاء - يعني: على بني قريظة -, قالوا: نعم, اتفق الخصمان على أن يكون هو الحكم بينهم, فحكم رضي الله عنه أن تقتل المقاتلة, وأن تغنم الأموال, وأن تسبى الذرية مع أنهم كانوا حلفاءه, وكان مقتضى العهد أن يطلب العفو عنهم, لكنه بإيمانه بالله عز وجل ورسوله حكم بهذا, فشهد له النبي صلى الله عليه وسلم أنه حكم فيهم يحكم الله من فوق سبع سماوات رضي الله عنه في هذا المكان الضيق الضنك وفق للصواب, حصل ما حصل ثم رجع إلى خيمته فانبعث الدم من أكحله ومات رضي الله عنه, أقر الله عينه في بني قريظة أيما قرار, حيث كان هو الحكم فيهم, وهذا من

<<  <  ج: ص:  >  >>