الركعتان تسميان عند أهل العلم: تحية المسجد.
ففي الحديث فوائد: منها مشروعية الصلاة عند دخول المسجد قبل أن يجلس؛ لقوله: «فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» , وهل هذه المشروعية على سبيل الوجوب, أو على سبيل الاستحباب؟ اختلف في هذا أهل العلم, وأكثرهم على أنها على سبيل الاستحباب, وحجة القائلين بالوجوب: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس حتى يصلي ركعتين, والأصل في النهي التحريم؛ لأن هذه عبادة, والأصل أن النهي في العبادات التحريم, ومن الأدلة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس يوم الجمعة فدخل رجل فجلس, فقال له: «أصليت؟ » قال: لا. قال: «قم فصل ركعتين وتجوز فيهما». وجه الدلالة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة وهي موجهة إلى الناس والناس مشرئبون لسماعها فقطعها ليخاطب هذا الرجل.
ثانيًا: أنه أمره أن يصلي ويتجوز في صلاته, مع أن الصلاة هذه سوف يتشاغل بها عن استماع الخطبة, والتشاغل عن استماع الخطبة محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب, فقد لغوت». هذا مع أنه نهى عن منكر.
وجه ثالث: أنه قال: «تجوز فيهما» مما يدل على أن هذه الصلاة شبه ضرورة تتقدر بقدرها, ولا شك أن هذا استدلال قوي, فالقول بالوجوب قوي جدًا.
أما حجة القائلين بأنها لا تجب فاحتجوا بأمور منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي أخبره بأن عليه خمس صلوات في اليوم والليلة, قال: هل علي غيرها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا, إلا أن تطوع». فقوله: «لا» يشمل كل صلاة سواء كانت ذات سبب أم لا, ولكن في هذا الاستدلال شيء من النظر؛ لأن مراد النبي صلى الله عليه وسلم بذلك الصلوات الخمس الدائمة, فليس يوجد صلاة دائمة بدوام الأيام وواجبة غير هذه الصلوات الخمس, نعم يستدل بهذا الحديث على عدم وجوب صلاة الوتر؛ لأنها صلاة تتكرر في اليوم والليلة, فيستدل بهذا الحديث على عدم وجوبها.
ويقال في الرد على هذا الدليل: صلاة دخول المسجد لها سبب عارض فتقييد بسببها؛ كصلاة الكسوف مثلًا على قول من يرى أنها واجبة, فإنها خارجة عن الخمس لكن لها سبب أوجبها, وكصلاة العيد فإنها واجبة وهي خارجة عن الصلوات الخمس لكن لها سبب وهو العيد, فمراد النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا, إلا أن تطوع»: الصلوات التي تدور بدوران الأيام.
كذلك أيضًا يقال في رد هذا الاستدلال: لو أن الإنسان نذر أن يصلي وجبت عليه الصلاة؟
وجبت عليه الصلاة مع أنها ليست من الصلوات الخمس, لكن لها سبب وهو النذر, فالمهم