للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الاستدلال بهذا الحديث لا يستقيم.

قالوا: ومن الأدلة على أنها ليست واجبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي إلى الجمعة فيبدأ بالخطبة ولا يصلي ركعتين, وهذا يدل على أن تحية المسجد ليست بواجبة, فهذا الاستدلال قد يقول قائل: إن فيه شيئًا النظر؛ لأن الخطيب لا يجلس في الخطبة إلا بين الخطبتين, وهو جلوس يسير لإظهار الفرق بين الخطبتين بالفعل وبالقول, أما بالقول فيسكت عند الخطبة الأولى, وأما بالفعل فيجلس, وأيضًا الخطبة تبع للصلاة – صلاة الجمعة – وهو لن يجلس بعد الجمعة بل سيبدأ بصلاة الجمعة فضعف الاستدلال.

استدلوا أيضًا: بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة ودخل المسجد الحرام بدأ بالطواف, ثم صلى بعد ذلك ركعتين, وهذا الاستدلال أيضًا في نظر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأ الطواف وجعل يمشي ولم يجلس, فإنه – عليه الصلاة والسلام – لم يجلس, بل طاف ثم صلى ركعتين.

فالمهم: أن القول بوجوب تحية المسجد قول قوي لا يكاد الإنسان يأتي بدليل واضح يدل على عدم وجوبها.

استدلوا أيضًا: بعدم الوجوب بقصة كعب بن مالك رضي الله عنه حين دخل المسجد حين تاب الله عليه وتلقاه الناس يهنئونه, ولم يذكر في الحديث أنه صلى ركعتين, لكن هذا الاستدلال أيضًا فيه شيء من النظر؛ لأنه قد يقال: إن كعب بن مالك ليس على وضوء, ومن ليس على وضوء لا تجب عليه الصلاة, وكيف يمكن أن نقول بوجوب الصلاة وهو على غير وضوء.

فإن قال قائل: إن كعب بن مالك يحكي عن نفسه أنه جاءت البشرى بعد صلاة الفجر والأصل بقاء وضوئه, فقد دخل المسجد وهو على وضوء.

قلنا: هذا متعينًا, وإذا كان الاحتمال في الاستدلال بطل الاستدلال به.

استدلوا أيضًا: بقصة الثلاثة الذين دخلوا المسجد؛ فأحدهم جلس في الحلقة, والثاني وراء الحلقة, والثالث ولى, ولم يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالصلاة.

والجواب أن يقال في هذا الاستدلال: إن هذه قضية عين, فلعل النبي صلى الله عليه وسلم شاهدهم حين دخلوا فصلوا, وليس في الحديث أنهم لم يصلوا ركعتين, على كل حال: فالإنسان إذا أراد أن يبرئ ذمته فلا يجلس إذا دخل المسجد وهو على طهارة حتى يصلي ركعتين.

من فوائد هذا الحديث: أن الركعتين تصليان كل وقت لعموم قوله: «إذا دخل أحدكم المسجد» , فإن «إذا» ظرف زمان يطلق غير مقيد, فيصلي تحية المسجد في أي وقت دخل حتى بعد صلاة الفجر, حتى بعد صلاة العصر, حتى عند قيام الشمس عند الزوال, ويصلي تحية المسجد متى دخل, وقيل: لا يصلي تحية المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا صلاة بعد صلاة الصبح

<<  <  ج: ص:  >  >>