حتى تطلع الشمس, ولا صلاة بعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس». وهذا نهي عن الصلاة, عن أي صلاة؛ لأن (لا) نافية للجنس, فيكون نفيها نصا في التعميم فلا يصلي, ولكن الجواب عن هذا أن يقال: هذا الحديث «لا صلاة بعد صلاة الصبح ولا صلاة بعد صلاة العصر» خاص في الوقت, عام في الصلاة؛ كيف؟ خاص في الوقت من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ومن صلاة العصر إلى الغروب, وهو عام في الصلاة, وحديث أبي قتادة عام في الوقت خاص في الصلاة, فبينهما عموم وخصوص من وجه كل واحد منهما أعم من الآخر, وحينئذ ننظر أيهما أقوى عمومًا, فإذا نظرنا أيهما أقوى عمومًا تبين أن الأقوى حديث أبي قتادة: «إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين» , فيؤخذ بعمومه ويقال: في أي وقت تدخل المسجد لا تجلس حتى تصلي ركعتين, وهذا القول هو الراجح أن تحية المسجد ليس فيها وقت نهي.
فإن قال قائل: هل يمكن أن يقاس عليها بقية النوافل التي ليس لها سبب كسنة الوضوء, وصلاة الاستخارة, فيما يفوت وما أشبه هذا؟
فالجواب: نعم, يقاس عليها؛ لأن العلة واحدة, وهي وجود السبب, فلقوة هذا السبب ارتفع النهي, وأيضًا في بعض ألفاظ حديث النهي: «لا تتحروا الصلاة» , وهذا يدل على أن المقصود بذلك من يتحرى الصلاة ويصلي في وقت النهي, وهو الذي يصلي صلاة تطوع ليس لها سبب, فالصواب إذن: الرواية الأخرى عن الإمام أحمد, وهي مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه لا نهي عن كل صلاة ذات سبب, من ذلك مثلًا ركعتا الوضوء, وركعتا الطواف, وركعتا الاستخارة فيما يفوت وغير ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو صلى فريضة عند دخوله المسجد لكفى, وجه الدلالة: أن الفريضة يصدق عليها أنها ركعتان, فإذا دخل المسجد وصلى صلاة الفجر وجلس فقد أدى ما عليه؛ لأن الحديث عام فلا يجلس حتى يصلي ركعتين, والمقصود هو افتتاح المسجد بصلاة ركعتين, وهذا يحصل بالفريضة كما يحصل بالنافلة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه لو صلى ركعة واحدة لم تجزئه كما لو كان الإنسان لم يوتر فدخل المسجد فأوتر بركعة واحدة فإنه لا يجزئ لظاهر الحديث؛ لأنه قال: «حتى يصلي ركعتين» ولم يطلق, يعني: لم يقل: حتى يصلي, لو قال: حتى يصلي فلا إشكال, وكذلك لو دخل وصلى صلاة المغرب فإنه لم يصل ركعتين بل صلى ثلاثة, لكن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال هذا في الشيء الدائم, أما الشيء النادر فإذا سمي صلاة شرعًا أجزئ عن ركعتين, وعلى هذا فإذا دخل المسجد