وإذا قال التابعي: أحلت لنا، أو أمرنا، أو نهينا، أو ما أشبه ذلك فهل هو مرفوع مرسل أو موقوف متصل؟ في هذا الخلاف بين علماء الحديث؛ فمنهم من يقول: إنه موقوف متصل؛ لأن التابعي يروي عن الصحابي مباشرة، ومنهم من قال: إنه مرفوع مرسل؛ لأنه حذف منه الصحابي.
قوله: "أحلت لنا ميتتان ودمان" هذا كالاستثناء من قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} [المائدة: ٣]. ومعلوم أن الميتة والدم نجسان؛ لأنهما حرام، وقد ذكرنا قبل أن كل حيوان محرم فهو نجس، والدليل قوله تعالى: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة}. يعني: إلا أن يكون المطعوم ميتة، {أو دما مسفوحا}. هذه اثنين {أو لحم خنزير فإنه رجس} [الأنعام: ١٤٥].
{فإنه} الضمير يعود على ما سبق، يعني: على المطعوم الذي وجده محرما؛ أي: فإن هذا المطعوم رجس، وليس عائدا على لحم الخنزير كما قال بعضهم، بل هو عائد على ما وجده الرسول - عليه الصلاة والسلام- محرما، فقوله: {فإنه رجس} هذه علة للتحريم، ففهمنا أن جميع المحرمات من الحيوانات نجسة ويأتينا - إن شاء الله- أنه يستثنى منها شيء.
"أحلت لنا ميتتان ودمان" هذا كأنه مستثنى من قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} ,
"أما الميتتان: فالجراد والحوت" الجراد معروف، والحوت: يشمل جميع ما في البحر من جيوان، كل ما في البحر فإنه قوت وميتته حلال، ميتة البحر حلال مستثناة من الميتة.
"وأما الدمان: فالكبد والطحال"، الكبد معروف، والطحال: قطعة تشبه الكبد من بعض الوجوه لاصقة في المعدة، هذه أيضا حلال مع أنها دم.
أتى المؤلف رحمه الله بهذا الحديث في باب الطهارة، وكان المتبادر إلى الذهن أن يذكره في أي باب من أبواب الأطعمة، لكنه ذكره هنا لأن المحرم نجس، فإذا كان هذا حلالا كان طاهرا.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: أنه ليس للنبي صلى الله عليه وسلم أن يحلل إلا بإذن الله لقوله: "أحلت لنا"، وهذا مبني على صحة الحديث مرفوعا، وسنتكلم عليه - إن شاء الله تعالى- أو نتكلم عليه الآن.
الحديث يقول المؤلف أنه فيه ضعف، وقد صححه جماعة من الحفاظ صححوه موقوفا على من؟ على ابن عمر، فيكون من قول ابن عمر، ولكن نقول: إن قول ابن عمر "أحلت لنا ميتتان ودمان" في حكم المرفوع؛ لأنه يتكلم عن حكم شرعي، ولا يمكن أن يأتي به من عنده؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه، وعلى هذا فيكون إن لم يصح مرفوعا صريحا فهو مرفوع حكما.
نأخذ الفائدة الأولى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك أن يحلل أو يحرم إلا بإذن اله، ولهذا لما نهى