للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسميت أمًا؛ لأن الأم ما يئول إليه الشيء ويقصد؛ ولهذا سمى كتاب الأعمال إمامًا، كما قال عز وجل {وكل شيٍء أحصيناه في إمام مبين} [يس: ١٢]. لأنه يقتدى به. "أم الكتاب": الفاتحة، جميع معاني القرآن الإجمالية تشتمل عليها الفاتحة، ففيها حمد وثناء وربوبية وإلهية وعبادة وأخبار الأمم السابقة في الإجمال، وأحوال الخلق ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: قسم أنعم الله عليهم، وهم الذين علموا الحق وعملوا به، وقسم غضب الله عليهم وهم الذين علموا الحق ولم يعملوا به كاليهود، وقسم أرادوا الحق فضلوا عنه كالنصارى، المهم أن فاتحة الكتاب جمعت المعاني التي جاء بها القرآن، ومن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى كتاب ابن القيم "مدارج السالكين" فإنه أتى فيه بالعجب العجاب حول الكلام على الفاتحة وما تضمنته.

- ولابن حبان: "ثم بما شئت".

بدل "بما شاء الله" والمعنى الواحد، لأن ما شاء الله لابد أن يشاءه العبد، وما شاءه العبد فقد حصل بعد مشيئة الله فهما متلازمان.

من فوائد الحديث: أولًا: الرد على الجبرية؛ لقوله: "إذا قمت" فأثبت للإنسان قيامًا بإرادته، ومن وجه آخر: "فأسبغ الوضوء" فيه رد على الجبرية، لأننا لو قلنا: إن الإنسان مجبر على عمله ما صح أننا نأمره بشيء؛ لأننا إذا وجهنا إليه أمرًا بشيء وهو مجبر صار هذا من تكليف ما لا يطاق.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الوضوء شرط لصحة الصلاة لقوله: "أسبغ الوضوء" ثم وهو كذلك، وإسباغ الوضوء هو إكماله، وهو نوعان: إكمال واجب، وهو أن يقتصر فيه على مرة واحدة مرتبًا، وإسباغ كامل وهو أن يأتي به مرتين أو ثلاثة، فقد جاءت السنة بمرة مرة، ومرتين مرتين، وثلاثة ثلاثة، وعلى وجه مختلف السنة أن يغتسل وجهه ثلاثًا ويديه مرتين، ورجله مرة، فليفعل الإنسان هذا، وهذا لتحصل له السنة على جميع وجوهها.

فإن قال قائل: لم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة؟

فالجواب: أن الغسل من الجنابة بالنسبة للوضوء قليل نادر، والنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم على الكثير الغالب، ونحن نعلم من طريق آخر أنه لابد لمن قام إلى الصلاة أن يغتسل من الجنابة كما في الآية الكريمة: {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} [المائدة: ٦].

ومن فوائد الحديث: وجوب استقبال القبلة لقوله: "ثم استقبل القبلة"، والقبلة إن كان الإنسان يمكنه أن يشاهد الكعبة- شرفها الله- وجب أن يستقبل عينها، وإن كان لا يمكنه ذلك استقبل الجهة حتى لو كان في المسجد الحرام، وكان الناس يعانون في المسجد الحرام من

<<  <  ج: ص:  >  >>