ومن فوائد هذا الحديث: أنه في الركعة الأخيرة يتورك، وصفته كما جاء في حديث أبي حميد أنه يقدم رجله اليسرى، أي: يخرجها من يمينه، وليس المعنى يمدها أمامه، ولكن يقدمها، أي: لا يقعد عليها، بل يقدمها حتى تخرج من يمينه، وينصب اليمنى ويجلس على مقعدته، هذا هو التورك، والحكمة من مونه يجلس هذا الجلوس لها وجهان:
الوجه الأول: الفرق بين التشهدين الأول والثاني، حتى إذا دخل أحد ووجده متوركًا عرف أنه في التشهد الأخير هذه واحدة.
الوجه الثاني: أن مدته أطول من التشهد الأول، فكان الأيسر أن يتورك ليتورك على الأرض فيكون طمأنينته على الأرض أكثر.
هذا التورك معروف أنه في الثلاثية والرباعية، لكن هل يتورك في الصلاة الثنائية في التشهد الأخير؟ في هذا خلاف بين أهل العلم بعضهم قال: يتورك؛ لأن طول الجلوس موجود حتى في الثانية فيتورك، وبعضهم قال: لا يتورك، وهذا هو الأرجح، لأنه وإن وجدت العلة الأولى وهي طول الجلوس، فقدت العلة الثانية وهي الفرق بين التشهدين، فالصحيح: أن التورك إنما يكون في التشهد الأخير، في كل صلاة فيها تشهدان وهي الثلاثية والرباعية والوتر إذا أوتر بتسع، فإنه سيجلس في الثامنة ويتشهد ولا يسلم، ثم يقوم إلى التاسعة ويتشهد، فهنا نقول: تورك؛ لأن في هذه الصلاة تشهدين.
وهل هناك صفة للتورك غير هذه؟ نعم، هناك صفة أخرى، وهي: أن يفرش رجليه اليمنى واليسرى ويخرجهما من يمينه، وهذه أحيانًا تكون أريح للإنسان؛ لأن بعض الناس يصعب عليه أن ينصب اليمنى مع التورك ويكون إسدالهما على اليمنى أسهل فيتورك.
هذا التورك فيه صفة ثالثة أنه يسدلهما من اليمين ويجعل اليسرى بين الفخذ اليمنى وساقها كالمعلق. هذه أيضًا أحيانًا تكون مريحة للإنسان، لو كان الإنسان في تعب فهذه أريح من غيرها، لأنها تشد العضلة عضلة الساق، وعضلة الرجل اليسرى، فعلى كل حال هذه مسألة ثانوية، أعني: مسألة الراحة وعدم الراحة، المهم: السنة ثلاث صفات للتورك فأيهما تختار؟ سبق لنا أن القول الراجح في هذه المسألة: أن تعمل بهذه تارة وبهذه تارة، وبينا أن لذلك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: تمام التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: أن ذلك أحضر لقلب العبد؛ لأنه إذا عدل عما كان يألفه من قبل فسيعدل بنية حضور القلب.
الثالثة: أن في ذلك حفظًا للسنة؛ لأنه إذا اقتصر على صفة وترك الأخرى فيها لأجزأه ذلك؛ لأن الكل وارد، وقد سبق أن قلنا: إن الأمر فيه واسع، ولكن الأفضل أن نعمل هذه السنة وهذه مرة أخرى، هذه ثلاث فوائد وأهمها التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم.