على كل حال: ما الحكمة في أن ميتة الجراد حلال؟ أنه ليس له دم، والعلة في تحريم الميتة: هو احتقان الدم فيها، ودليل ذلك: أنه إذا انهر هذا الدم صارت حلالا، أقول مرة ثانية: إذا كان الحيوان مما يحرم أكله وليس له دم، ماذا يكون؟ سكون طاهرا.
ومن فوائد هذا الحديث: حل جميع حيوانات البحر، ونسأل لو وجدت سمكة على صورة أنثى فتاة حلال أم حرام؟ حلال، جميع الحيتان حلال سواء على صورة آدمي، أو صورة سبع، أو صورة كلب لعموم قوله تعالى:{أحل لكم صيد البحر وطعامه}[المائدة: ٩٦]. وجه ذلك - يا إخواني-: أن {صيد} مفرد مضاف، والمفرد المضاف خذوها قاعدة مفيدة في علم الأصول، المفرد المضاف يكون عامل، اقرءوا قول الله تعالى:{واذكروا نعمت الله عليكم}[آل عمران: ١٠٣]. أي نعمة؟ كل النعم، {إن تعدوا نعمت الله لا تحصوها}[إبراهيم: ٣٤]. إذن كل النعم؛ ولهذا قال العلماء: لو قال الرجل: "امرأتي طالق" وله أربع نساء من يطلق؟ كل النساء، ولو قال:"عبدي حر" وله أكثر من عبد؛ عتق كل العبيد ما لم ينو الواحد، إذن جميع حيتان البحر حلال حيها وميتها.
الدليل من غير هذا الحديث:{أحل لكم صيد البحر وطعامه}[المائدة: ٩٦]. قال ابن عباس رضي الله عنهما - وناهيك به علما في التفسير- قال: صيده ما أخذ حيا وطعامه ما اخذ ميتا، وإنما قال ذلك؛ لأنه لو كان المراد بالطعام الذي هو ثمار الأشجار في البحر لم يكن لتخصيص البحر فائدة؛ لأن ثمار الأشجار حلال في البر وفي البحر، إذن فالمراد بطعامه ما ذكر رضي الله عنه وهو ما أخذ من الحيتان ميتا.
ومن فوائد هذا الحديث: حل الكبد ولو كانت تقطر دما، لكن بشرط أن تكون من مذكاة مع أنها دم، ماذا نقول في دم القلب بعد الذبح، لأن القلب بعد الذبح يتحجر فيه الدم؟ ولهذا إذا شقه الإنسان صار فيه دم، أهو نجس أم طاهر؟ أحلال أو حرام؟ حلال.
فإذا قال قائل: لماذا لم يذكر في الحديث؟
نقول: لأن دم القلب خفي ليس ظاهرا كالكبد والطحال فهو خفي كالدم الذي في العروق؛ ولهذا لدينا ضابط اضبطوه: جميع الدم الذي يكون بعد الذكاة حلال طاهر ولو كان أحمر، ولو تغير به القدر؛ لأنه لما تمت الذكاة صارت جميع البهيمة حلالا طيبا.
إذن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق وفي جوف القلب حكمه طاهر حلال.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الأصل في الميتات التحريم، الدليل: أحل ميتتان، يعني: غير هذا حرام، ويؤخذ هذا من المنطوق أو من المفهوم؟ من المفهوم، يعني: وحرم علينا ما سواهما، وكذلك نقول في الدم.