للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"وجهت وجهي للذي" وعدم الميل إلى الشرك في قوله: "حنيفًا"، وأكد ذلك بقوله: "وما أنا من المشركين" {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} [الأنعام: ١٦٢].

المراد بـ {صلاتي}: الصلاة المعروفة المعهودة شرعًا، {ونسكي}؛ قيل المراد بذلك: النسيكة وهي الذبيحة، فالمراد بالنسك: الذبائح التي يتقرب بها الإنسان إلى الله عز وجل واستدل أصحاب هذا القول بقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} [الكوثر: ٢]، فذكر النحر بعد الصلاة، وقيل المراد بالنسك: العبادة، فعلى الأول يكون عطف نسك على صلاة من باب عطف المتباينين، وعلى الثاني من باب عطف العام على الخاص.

وأيهما أولى أن نقول: المراد بالنسك: جميع العبادات، أو المراد بالنسك الذبيح؟ الأول أولى، لماذا؟ لأنه يشمل الذبيحة وغيرها وكلما كان المعنى أشمل وأعم فهو أولى.

وقوله: {لله رب العالمين} اللام هذه للإخلاص، وقوله: {رب العالمين} أي: خالق العالمين مالكهم مدبرهم، و "العالم" كل من سوى الله فهو عالم من الإنس والجن والملائكة وغيرهم، وسموا عالمًا؛ لأنهم علم على خالقهم عز وجل، وجمعوا باعتبار الأجناس والأنواع فإنهم أجناس وأنواع.

{لا شريك له} هذا تأكيد للنفي، و {بذلك} أي: بما ذكر من الإخلاص واجتناب الشرك {أمرت} والآمر هو الله عز وجل، ولم يسم للعلم به، كقوله تعالى: {وخلق الإنسان ضعيفًا} لم يسم الخالق لماذا؟ للعلم به.

{وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} أورد بعض العلماء إشكالًا على هذا وقالوا: كيف يكون أول المسلمين وقد سبقه أمم وأنبياء ورسل كلهم مسلمون؟ فقيل: المعنى أول المسلمين من هذه الأمة فتكون الأولية نسبية؛ أي: باعتبار هذه الأمة، وقيل: إن الأولية هنا أولية صفة لا أولية زمن يعني: أنا أسبق الناس إلى الإسلام، وعلى هذا المعنى فلا نحتاج إلى أن نقول: إن الأولية نسبية؛ لأننا نعلم أن أشد الناس انقيادًا وإسلامًا لله: الرسول صلى الله عليه وسلم ومن المعلوم أننا نحن إذا قلنا: {وأنا أول المسلمين} لا يمكن أن نريد أول المسلمين زمنًا، لأن هذا يكذبه الواقع، لكنك تقر بأنك أول من يؤمن بهذا ويسلم لله عز وجل، سبقًا زمنيًا أو حاليًا؟ حاليًا.

قوله: "اللهم أنت الملك" اللهم، أي: يا الله هذا أصلها، فحذفت ياء النداء وعوض عنها الميم، وذلك لكثرة الاستعمال، وللتيمن بذكر الله عز وجل، قبل أداة النداء وعوضت عنها الميم، قالوا: لأنها جارية على الجمع، فكأن الداعي جمع قلبه على الله، وكانت في الآخر تيمنًا بالبداءة باسمه- جل وعلا-، وعلى هذا فنقول: "اللهم" منادي مبني على الضم في محل نصب.

"أنت الملك" يعني: ذا الملك التام والسيطرة التامة، فهو- سبحانه وتعالى- ملك الملوك لا مالك إلا الله عز وجل وملكه جامع بين الملك الذي هو مطلق التصرف وبين الملك الذي هو

<<  <  ج: ص:  >  >>