ومن فوائد هذا الحديث: أن محيا الإنسان ومماته لله؛ يعني: هو الذي يتصرف للإنسان في حياته وكذلك بعد مماته؛ لكمال ربوبيته –تبارك وتعالى-.
يتفرع على هذه الفائدة: أنك لا تسأل لإصلاح حياتك أو مماتك إلا الله عز وجل، لأنه هو الذي يملك هذا {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين} وإجابة الله –تبارك وتعالى- الدعاء لمن لجأ إليه لا نحصي أفرادها، بل ولا أنواعها، بل ولا أجناسها، لو أنك تدبرت القرآن وجدت أن أدعية الرسل- عليهم الصلاة والسلام- كيف تستجاب لهم، وإذا تأملت التاريخ وجدت كيف يستجاب الدعاء لمن اتبعوهم بإحسان، وإذا تأملت عصرك وجدت أيضًا أمثلة على إجابة الدعاء، فإذا كان محياك ومماتك لله فلا تلجأ إلا إليه، لا تلجأ لأحد، لكن لا بأس أن تستعين بمن جعله الله تعالى سببًا بشرط أن تعتقد أنه سبب لا أصل، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان يجوز أن يطلب من أخيه أن يساعده في شيء، أو فقير يطلب من غني أن يعطيه من الصداقة هذا شيء جائز، لكن يجب أن تعتقد أنه سبب، ولهذا قد لا ينفع، قد يحصل لك المطلوب وقد لا يحصل.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم مكلف بأوامر الله لقوله: {وبذلك أمرت} فهل إذا أمر هو-عليه الصلاة والسلام- يكون أمره أمر لنا؟ الجواب: نعم؛ لأنه إمامنا، ومخاطبة الإمام بالآمر مخاطبة لمن وراءه، ولهذا لو قال الإمام لقائد الجند أي: العسكر: يا فلان، اذهب إلى الناحية الفلانية، المراد: هو ومن كان تابعًا له، فالأوامر الموجهة للرسول صلى الله عليه وسلم له وللأمة، وليعلم أن الأوامر الموجهة للرسول صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: ما هو خاص به بلا إشكال، مثاله قوله تعالى:{ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك ووزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك}[الشرح: ١ - ٤]. لمن الضمائر؟ للرسول، ولا يتعداه لغيره، خاص به بلا إشكال.
القسم الثاني: أوامر دل الدليل المقارن على أنها عامة له ولأمته، مثل قوله تعالى:{يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}[الطلاق: ١]. الخطاب أولًا للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم صار لعامة الأمة في نفس الآية:{إذا طلقتم} ولم يقل: إذا طلقت، وهذا واضح أن الخطاب الأول ليس خاصًا بالرسول صلى الله عليه وسلم.
القسم الثالث: ألا يكون فيه دليل على هذا ولا على هذا، فهل يكون خطابًا للأمة من الأصل، أو يقال: هو خطاب خاص بالرسول صلى الله عليه وسلم والأمة تفعله تأسيًا به لا على أنها مواجهة بالخطاب؟ فيه قولان للعلماء، والخلف بينهما قريب من اللفظ؛ لأن الكل متفقون على أن الأمة تمتثل أمرًا أو نهيًا.