ينفع ذاك الجدِّ منك الجدُّ"، "وتعالى جدك، ولا إله غيرك" أي: لا معبود حق غير الله، والمعبودات من دونه باطلة. قال الله تعالى:{ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير}[الحج: ٦٢].
من فوائد هذا الحديث: أنه يُسن الاستفتاح بهذا الذكر، دليله إن شئت فقل: فعل النبي- صلى الله عليه وسلم- وإن لم تطمئن لذلك لكون الإسناد منقطعًا، فقيل: دليله فعل أمير المؤمنين عمر، وقد قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، ونحن نُشهد الله أن عمر- رضي الله عنه- منهم؛ فإذا جاءت سُنة عن أبي بكر، أو عمر، أو عثمان، أو علي ولم تأتِ سُنة نبوية بخلافها كانت سُنة نبوية، يعني: ليست كفعل الرسول، لكن سُنة أمرنا النبي- صلى الله عليه وسلم- باتباعها: "عليكم بسنتي وسُنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"، أما إذا جاءت السُّنة النبوية بخلافها فلاشك أن الأصل مُقدَّم على الفرع، ولهذا احتَّج بعض الناس في صلاة التراويح، وقال: ثلاثًا وعشرين سُنة عمر، ماذا نقول؟ نقول: سُنة النبي- صلى الله عليه وسلم- أفضل، ثم هل صح هذا عن عمر، من يقول أنه صح عن عمر؟ غاية ما هنالك حديث يزيد بن رومان أن الناس كانوا يقومون في رمضان بثلاثٍ وعشرين: وهذا على ما فيه من انقطاع لا يصح إضافته لعمر؛ لأنه مضاف إلى زمن عمر، وعمر ليس كالنبي- صلى الله عليه وسلم- ما فُعل في عهده فهو حُجة، يعني: عمر قد تخفى عليه هذه السُّنة، وليس هناك وحي يُقوِّم ما اعوج مع أنه- رضي الله عنه- صحَّ عنه- الموطأ- بأصح إسناد أنه أمر أُبي بن كعب، وتميم الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة، وهذا لاشك أصلب بكثير من حديث يزيد بن رومان؛ لأن من البعيد جدًّا جدًّا جدًّا أن يُخالف عمر هَدْي النبي- صلى الله عليه وسلم-.
على كل حال نعود للحديث: نقول: هذا إن صحَّ عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه استفتح بهذا الدعاء، وإن لم يصح فهو سُنة عمر- رضي الله عنه- وعمر له سُنة متبعة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه ينبغي للقدوة والأسوة في عباد الله أن يجهر بما يخفى على الناس؛ لأن عمر كان يجهر به كما جهر ابن عباس بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة وقال: "ليعلموا أنها سنة"، وهل من ذلك ما جاء عن أبي قتادة أن النبي- صلى الله عليه وسلم- كان يسمعهم في صلاة الظهر أو العصر القراءة أحيانًا؟ نعم، قد يقال: هذا منه حتى يعرفوا أنه يقرأ سورة مع الفاتحة، وقد يقال: ليس منه، لكن النبي- صلى الله عليه وسلم- يريد أن يوقظهم بعض الشيء؛ لأن الإمام إذا أراد الصلاة السرية قد يسهى المصلون، فإذا رفع صوته أحيانًا صار هذا كالتنبيه.