للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: كل نقص في صفاته- يعني: صفات الكمال- لا يمكن أن يلحقها نقص؛ فقوته لا يلحقُها ضعف، وقدرته لا يلحقها عجز، وعلمه لا يسبقه جهل ولا يلحقه نسيان. كل صفات الكمال التي اتصف بها- جل وعلا- فإنه منزه عن نقصها، ليس فيها نقص بكل حال من الأحوال، حياته لم تسبق بعدم ولا يلحقها فناء، وهلُمَّ جرًّا.

الثالث: مماثلة المخلوقين؛ منزه عن مماثلة المخلوقين سمعًا وعقلًا، قال الله تعالى: {ليس كمثله شيء} [الشورى: ١١]. وقال تعالى: {هل تعلم له سميا} [مريم: ٦٥]. وقال تعالى: {ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص: ٤]. وقال تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا وأنتم تعلمون} [البقرة: ٢٢]. والنصوص في هذا كثيرة.

إذن متنزه عن أمور ثلاثة، فإن قال قائل: الثالث داخل في ضمن الأول؛ لأن مماثلة المخلوق عيب. قلنا: لكن النص عليها أولى؛ حتى لا يظن الظان أن الكمال في المخلوق كالكمال في الخالق!

"سبحانك اللهم" اللهم يعني: يا الله، وسبق الكلام عليها، "وبحمدك" قيل: المعنى: وبحمدك سبحت، فيكون هذا ثناء على الله وحمدًا لله أن وفق القائل بالتسبيح. إذا قيل إن التقدير: وبحمدك سبحت، ولكن هذا قول ضعيف، والصواب أن الباء للمصاحبة، وأن الواو من باب عطف الصفات بعضها على بعض، والمعنى: ومع تسبيحي إياك أحمدك؛ فيكون في الأول نفي النقص، ويكون في الثاني إثبات الكمال، ولاشك أن هذا أعلى من الأول، المعنى: أن الإنسان إذا قال: "سبحانك اللهم وبحمدك" فقد جمع لله بين نفي ما لا يليق به وإثبات كماله- عز وجل- وذلك بحمده، فالباء للمصاحبة، والواو من باب عطف الصفات مثل: {سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى} [الأعلى: ١ - ٤].

"وتبارك اسمك" يعني: اسم الله- عز وجل- مُبارك ما خالط شيئًا إلا نزلت فيه البركة، وهل المراد: كلمة اسم الله، أو كل اسم الله؟ الثاني؛ لأن "اسم" هنا مفرد مضاف فيعمُّ، كل أسماء الله فيها بركة، ولذلك نتوسل إلى الله تعالى بها، فنقول: يا رحمن ارحمنا، يا غفور اغفر لنا، ولولا أن فيها بركة ما صحَّ أن نتوسل إلى الله تعالى بها، هذه معنى "تبارك اسمك".

ومن بركات اسم الله- عز وجل-: أنه لو سمى الإنسان على الذبيحة حلَّت ولو ترك التسمية لم تحل، ومن بركته: أن الإنسان إذا أتى أهله وقال: "باسم الله، اللهمَّ جنبني الشيطان وجَنِّب الشيطان ما رزقتنا، ثم قُدِّر بينهما ولد لم يضرَّه شيطان أبدًا". والأمثلة على ذلك كثيرة.

"وتعالى جدُّك" "تعالى": تَرفَّع وعَظُمَ، وقوله: "جدك" أي: غناك؛ لأن الجد بمعنى: الغنى، وربما يكون أوسع من هذا المعنى يكون الغنى والقوة وما أشبه ذلك، ومنه قول الذاكر: "ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>