وهو يخاطب بشرًا بما لا يليق إلا بالله- عز وجل- لكن هكذا الشعراء يُغالون في القدح ويغالون في المدح:{والشعراء يتبعهم الغاون * ألم تر أنهم في كل وادٍ يهيمون * وأنهم يقولون ما لا يفعلون * إلا الذين ءامنوا وعملوا الصالحات}[الشعراء: ٢٢٤ - ٢٢٤].
إذن "أعوذ بالله": أعتصم به، "السميع" أي: المتصف بالسمع، وسمعُ الله- تبارك وتعالى- نوعان: سمع إجابة، وسمع إدراك، وهو في هذا يشمل الأمرين جميعًا، وتفاصيل ذلك أظنها لا تحتاج إلى إعادة، لأنها معلومة لكم، "العليم" أي: ذو العلم، وعلم الله- تبارك وتعالى- محيط بكل شيء جملةً وتفصيلًا سابقًا ولاحقًا وحاضرًا، وآيات إثبات علم الله- عز وجل- كثيرة وهو من صفات الكمال، وإنما ذُكرا هذان الاسمان، لأن "السميع" بمعنى: المجيب مناسب تمامًا لقولك: "أعوذ"، و"العليم" كذلك مناسب لقولك: "أعوذ"؛ لأن ما من مُعيذ إلا وعنده علم كيف يعيذ.
"من الشيطان الرجيم"، "الشيطان" هو إبليس، مشتقٌّ من: شَطَنَ إذا بَعُد؛ لأنه- أعني: الشيطان- بعيد من رحمة الله- والعياذ بالله-، ويدل على أنه مشتق من شَطَنَ أنه متصرف كما قال- عز وجل-: {وحفظناها من كل شيطان رجيم}[الحجر: ١٧].
إذن هو مشتق من شَطَنَ إذا بَعُد لبعده عن رحمه الله، والمراد به: الجنس لا الشيطان المعني الذي أبى أن يسجد لآدم، وقوله:"الرجيم" تصلح أن تكون بمعنى: المرجوم، وتصلح أن تكون بمعنى: الراجم؛ لأن (فعيلًا) تأتي بمعنى (فاعل)، وتأتي بمعنى (مفعول)، وعليه فنقول: إذا كانت بمعنى الرجم، فالمعنى: أنه يرجم بني آدم بالمعاصي ويحملهم عليها حملًا، وإذا قلنا: بمعنى مفعول، أي: مرجوم؛ لأنه مطرود بعيدٌ من رحمة الله- عز وجل-.
"من همزه ونفخه ونفثه" هذه ثلاثة أشياء: الهمز، والنفخ، والنفث، "الهمز" قيل: إنه اسم للجنون؛ لأن الشيطان قد يُصيب الإنسان بالجنون.
وأما "النفخ" فمن الكبر، واشتقاقه ظاهر؛ لأن الإنسان إذا أصيب بالكبر- والعياذ بالله- انتفخ الشيطان، ينفخ الإنسان حتى يكون مستكبرًا.
وأما "النفث" فقيل: إنه الشعر؛ لأن الشعراء يتبعهم الغاوون، قال الله- عز وجل-: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين * تنزل على كل أفاك أثيم * يلقون السمع وأكثرهم كاذبون}[الشعراء: ٢٢١ - ٢٢٣] فيه احتمال في ذهني لكن ما رأيته، إن المراد بالهمز يعني: اللمز الخفيف الذي يحمل الإنسان على المعصية، والنفخ يعني: شدة الأمر بالمعصية، والنفث أشدُّ، لكنني لم أر هذا، ومن اطلع عليه في اللغة أو غريب الحديث فليخبرنا به، أما المشروع فكما سمعتم أولًا لو حدث للإنسان هذا فلا بأس.
وقوله:"بعد التكبير" أي: بعد التكبير والاستفتاح، وإنما احتجنا لهذا التقدير؛ لأن الاستعاذة إنما تكون عند القراءة، والقراءة لا تكون إلا بعد الاستفتاح.