وثالثًا: أنها رقية من كل مرض، أي مرض اقرأ عليه الفاتحة؛ لأن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال:"وما يدريك أنها رقية"، وأطلق كل مرض اقرأ عليه الفاتحة، لكن بصدق تجد الأثر.
{الحمد لله رب العالمين}، الحمد، هو وصف المحمود بالكمال، وليست ثناء على الله بالجميل الاختياري كما هو معروف في بعض الكتب؛ لأن الذي يمنع من قولنا: الثناء ما جاء في الحديث الصحيح: "إن الإنسان إذا قال: {الحمد لله رب العالمين} قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال:{الرحمن الرحيم}، قال: أثنى علي عبدي".
إذن المحمود بالكمال مع المحبة والتعظيم، واللام في قوله "لله" للاستحقاق وللاختصاص، للاستحقاق باعتبار الحمد هو المستحق، والاختصاص هو الحمد كله. من أين عرفنا الحمد كله؟ من "أل" الدالة على الاستغراق، الاختصاص من اللام في قوله:"لله" و"الله" عَلَمٌ على رب العالمين لا يُسمى به غيره، "رب العالمين" هذا نعت، يعني: وصفًا، ولكنه كالتعليل لما سبق وهو ألوهية الله- عز وجل- فهو مستحقٌّ للألوهية؛ لأنه رب العالمين، أي: خالقهم ومالكهم ومدبرهم، والمراد بـ "العالمين" هنا: ما سوى الله، وسُمُّوا عالمين من العلم، لأنهم عَلم على الله- عز وجل- ففي كل المخلوقات آية لله رب العالمين كما قال الناظم [المتقارب]:
فيا عجبًا كيف يعصى الإله ... أم كيف يجحده الجاحد
وفي كل شيء له آية ... تدل على أنه واحد
فالخلق كله علم على الله، وإن شئت تأمل في نفسك تجد العجب العجاب، في الصفات المعنوية والصفات الخلقية والصفات الخلقية تجد العجب العجاب، لو سألت الأطباء ما في هذا البطن من المعامل المكررة للطعام يدخل الطعام أصنافًا مصنفة ويخرج صنف واحد، ويدخل فيه القاسي واللين ويخرج على صفة واحدة، هذا المعامل في الحقيقة لها أقوام توزع هذا يذهب هنا وهذا يذهب هنا، شيء عجيب، ولهذا قال الله- عز وجل-: {وفي أنفسكم أفلا تبصرون}[الذاريات: ٢١]. خذ كل شيء، وما أحسن أن تطالع لهذا الغرض كتاب "مفتاح دار السعادة" لابن القيم- رحمه الله- تجد العجب العجاب.
إذن "العالمين" جميع المخلوقات سُمُّوا بذلك؛ لأنهم عَلَم على خالقهم- جل وعلا-، "الرحمن الرحيم" ما أحسن هذا الوصف بعد قوله: "رب العالمين" للإشارة إلى أن ربوبيته- عز وجل-