مزفلت، فالطريق المعبد المذلل للسالكين اشتق منه العبادة أن الإنسان يقوم بعبادة الله تعالى تذللًا له ومحبة وتعظيمًا هذه لله.
{وإياك نستعين} أي: نطلب العون منك لا من غيرك؛ أي: نطلب أن تعيننا على جميع أمورنا في الدنيا والآخرة، ولهذا حذف المستعان عليه لإفادة التعميم. "وإياك نستعين" نقول فيها بالنسبة للاختصاص كما قلنا في "إياك نعبد" أي: لا نستعين إلا إياك.
فإن قال قائل: ألسنا نستعين بغير الله؟
فالجواب: نستعين به على أنه سبب لا على أنه مستقل، واستعانتنا بالسيد استعانة بالله تعالى؛ لأننا نعلم أن الله تعالى إذا لم يُسخر هذا الرجل الذي استعنا به لم ينفعنا بشيء، فحقيقة الاستعانة بالمخلوق أنها استعانة بالله خالقه- عز وجل-؛ لأنه هو الذي يُسخر لمن استعانه، ومع هذا نقول: الاستعانة المطلقة في كل شيء لا تكون إلا لله- عز وجل-.
{اهدنا الصراط المستقيم} اهدنا الصراط: الهداية هنا يراد بها: هداية الإرشاد والعلم وهداية التوفيق والطاعة، ودليل ذلك حذف حرف الجر، أي: أنك لم تقل: "اهدنا إلى الصراط المستقيم" فيكون المعنى: اهدنا إليه وفيه، اهدنا إلى هذا العلم وفيه، هذا التوفيق، و"الصراط المستقيم" هو دين الإسلام، وسُمي صراطًا؛ لأنه طريق واسع يسع كل من يدخله، قيل: والصراط لا يكون صراطًا إلا إذا كان طريقًا واسعًا، وكان طريقًا سهلًا، وكان طريقًا مستقيمًا ثلاث أوصاف: واسع، سهل، مستقيم، قالوا: والاشتقاق يدل عليه؛ لأن صَرَطَ الشيء أي: ابتلعه بسرعة، ويُقال في اللغة العامية عندنا:"ظراط الشيء" يقول: أعطيته لحمًا فظرطه بسرعة، يعني: بلعه مباشرة بدون أن يعض بها.
إذن الصراط ما جمع ثلاثة أوصاف: السعة، والسهولة، والاستقامة، والاستقامة يعني: أنه لا اعوجاج فيه ولا ارتفاع ولا نزول؛ لأن الارتفاع والنزول هو في الحقيقة انحراف، عرج طريقًا من اليسار وعرجه طولًا وعلوًّا ونزولًا تكون المسافة واحدة، وقوله:"المستقيم" هذا من باب التأكيد؛ يعني: الذي لا اعوجاج فيه، وهذا مستفاد من معنى الصراط، لكنه أظهر هذا الوصف للتشويق إليه، هذا الصراط المستقيم صراط مَنْ؟ {صراط الذين أنعمت عليهم}، والذين أنعم الله عليهم أربعة أصناف كما قال الله تعالى:{ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين}[النساء: ٦٩]. هؤلاء أنعم الله عليهم نعمة الهداية العلمية ونعمة الهداية العملية.
{صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم} الغضب هو وصف لله- عز وجل- قائم بذاته على وجه الحقيقة، لكن هنا لم يقل: غير الذين غضبت عليهم بخلاف الإنعام قال: {الذين أنعمت