للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من فوائد هذا الحديث: ضبط عائشة- رضي الله عنها- لأحوال النبي- صلى الله عليه وسلم- في أقواله وأفعاله وعباداته ومعاملاته؛ لأن أخص الناس به زوجاته، فإنهن يعلمن من السر ما لم يعلمه غيرهن.

ومنها: سعة علمها- رضي الله عنها-، حيث ساقت هذا الحديث كله بجمله وأفراده.

ومنها: مشروعية افتتاح الصلاة بالتكبير، وهذا التكبير ركن من أركان الصلاة لا تنعقد الصلاة إلا به، ويجب أن يكون التكبير بهذا اللفظ "الله أكبر" فلو أتى بمعناه لم يصح، واختلف العلماء- رحمهم الله- فيمن لا يعرف الأذكار إلا بلغته، هل يأتي بها بلغته أو يكلف أن يتعلمها بالعربية؟ والصواب: أن يأتي بها بلغته، أما القرآن فقد عُلم أنه لا يجوز أن يُترجم حرفيًّا، أما أن ينقل معناه فلا مانع، ولا يقرأ بغير العربية، وأما الأذكار فلا بأس، والله- عز وجل- يعلم لغة كل قوم.

ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يجهر بالاستفتاح ولا بالتعوذ ولا بالبسملة لقولها: "والقراءة بالحمد لله رب العالمين".

ومنها: أن الإنسان لا يُقدِّم السورة التي بعد الفاتحة على الفاتحة، لم يكن هذا مشروعًا فإن تعمد على وجه التلاعب فصلاته باطلة، وإن تعمد لا على وجه التلاعب فصلاته غير باطلة، لكنه أخطأ، وإن نسي فإنه لا شيء عليه، ولكن يعيد السورة بعد الفاتحة، وهل يسجد للسهو؟ قيل: إنه يسجد للسهو استحبابًا لا وجوبًا؛ لأن مثل هذا القول لا يُبطل الصلاة عمده، لكنه أتى به في غير موضعه وقالوا كل من أتى بقول مشروع في غير موضعه فإنه يستحب له أن يسجد للسهو، وعلى هذا فمن نسي وقرأ السورة قبل الفاتحة قلنا له: اقرأ الفاتحة، ثم اقرأ السورة، ثم اسجد للسهو استحبابًا، ولا نقول: إنه واجب؛ لأن الإنسان لو تعمده لم تبطل صلاته.

ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية الركوع في الصلاة، وهو ركن من أركان الصلاة؛ لأن الله تعالى عبّر به عن الصلاة، وإذا عبر الله بالبعض عن الكل دل ذلك على أنه لابد من وجود هذا البعض في الكل، وهذه القاعدة ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- في "كتاب الإيمان" حيث ذكر فيه أنه إذا عبَّر عن الشيء ببعضه دلَّ على أن هذا البعض واجب في ذلك الكل. هل عبّر الله تعالى عن الصلاة بالركوع؟ نعم، في قوله تعالى: {وأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين} [البقرة: ٤٣]. الركوع الواجب منه الانحناء، ولكن هل له ضابط؟ قيل: إن ضابط الانحناء أن يُمَكِّن المعتدل في طول يديه وقصرهما من مس الركبتين، وقيل: إن الواجب أن يكون إلى الركوع الكامل أقرب منه إلى القيام الكامل، وذلك لأن الانحناء قد يكون أقرب إلى القيام، وقد يكون أقرب إلى الركوع، وقد يكون مساويًا، يعني: ليس انتصابًا ولا ركوعًا تامًّا، قالوا: الواجب هو أن يكون إلى الركوع الكامل أقرب منه إلى القيام الكامل، وأظن أن هذا متقارب، بمعنى: أنك لو نظرت إلى الرجل المعتدل في طول الذراعين وجدت أنه إذا أمكنه أن يمسَّ ركبتيه كان إلى الركوع الكامل أقرب منه إلى القيام الكامل.

<<  <  ج: ص:  >  >>