من سمع قراءة إمامه فلا بأس، وقالوا: إن حديث عبادة بن الصامت في صلاة الفجر نصّ في موضع النزاع فلا عدول لنا عنه، وعلى هذا القول لا تسقط عن المأموم لو نسيها، فإذا نسي أن يقرأ في إحدى الركعات؛ قلنا: قد فاتت ركعة، ائت بركعة بدلها، إلا أنها تسقط عن المسبوق إذا جاء والإمام راكع فإنه يركع بدون فاتحة، دليل ذلك حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فدخل في صلاته ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة.
والقول الثالث: أنها واجبة على الإمام، وعلى المأموم ليست واجبة، واستدلوا بقول الله تعالى: {وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له، وأنصتوا لعلكم ترحمون (٢٠٤)} [الأعراف: ٢٠٤]. وقالوا: هذا عام، والمأموم تبع لإمامه، واستدلوا أيضًا بمعنى معقول وهو أنه كيف نلزم المأموم بقراءة الفاتحة في الجهرية وقد استمعها وأمن عليها، والمستمع المؤمن كالفاعل بدليل قول الله -تبارك وتعالى- في قصة موسى وهارون، قال موسى: {ربنا إنك ءاتيت فرعون وملأه زينة وأمولًا في الحيوة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك ربنا اطمس على أمولهم واشدد على قلوبهم فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم (٨٨)} [يونس: ٨٨] فقال الله تعالى: {قد أجيبت دعوتكما}[يونس: ٨٩]. ومعلوم أن الداعي موسى بنص القرآن، ولكن هارون كان يؤمن، فجعل الله تعالى دعوة موسى دعوة لهارون، فدل ذلك على أن قراءة الإمام في الجهرية التي يسمعها المأموم ويؤمن عليها أنها قراءة له، فاستدلوا إذن بالنص والمعنى، وقالوا: إذا لم نقل: إن قراءة الإمام قراءة للمأموم في الجهرية فما فائدة الجهر حينئذ، وما الفائدة من كون الإمام يقرأ والمأموم يقرأ؟ وهذا القول كما ترى قول قوي جدًا أثرًا ونظرًا.
والقول الرابع: أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد، واستدلوا بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، وبقوله "لعلكم تقرءون خلف إمامكم". قالوا: نعم. قال:"لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، وهذا قاله صلى الله عليه وسلم حين انفتل من صلاة الفجر وهو نصٌّ في موضع النزاع، وأجابوا عما استدل به القائلون بالتفصيل بين السرية والجهرية بأن قوله تعالى:{وإذا قرئ القرءان فاستمعوا له، وأنصتوا}[الأعراف: ٢٠٤] عام مخصص بالأدلة الدالة على وجوب قراءة الفاتحة، فيكون المعنى: إذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا إلا في الفاتحة فلابد منها، واستدلوا على المعنى المعقول والقياس بأنه لا فائدة من جهر الإمام بالقراءة إذا كان لا يغني عن قراءة المأموم، بأن هذا قياس في مقابلة النص فلا يعتبر، وحقيقته: أننا نشهد الله عز وجل أنه لولا حديث عبادة بن الصامت لكان القول الواضح الجلي أن المأموم إذا سمع قراءة إمامه فلا قراءة عليه؛ لأنه يسمعها ويؤمن عليها فهي كقراءته بنفسه، لكن ماذا نقول وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، وقد انفتل من صلاة الفجر:"لا تفعلوا إلا بأم القرآن"؟ على هذا