القول يقولون: إنها تسقط عن المأموم إذا كان مسبوقًا ولا يعيد قراءة الفاتحة، واستدل هؤلاء بحديث أبي بكرة رضي الله عنه حين دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما سأل النبي صلى الله عليه وسلم:"من فعل هذا؟ " قال: أنا. قال:"زادك الله حرصًا ولا تعد"، ولم يأمره بقضاء الركعة التي لم يدرك منها إلا الركوع وما بعده، ولو كان لم يدركها لأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضائها كما أمر الذي لا يطمئن في صلاته أن يعيد الصلاة، وهذا واضح.
فيستثنى من ذلك على هذا القول: المسبوق إذا أدرك بعض الفاتحة ثم ركع الإمام هل نقول: إنه يكملها ثم يتابع ولو رفع الإمام من الركوع؟ الجواب: لا، إن تمكن من إدراكها قبل أن يرفع فعل، وإن لم يتمكن فإنه يركع؛ لأنه الآن مسبوق وهو يريد أن يدرك الركوع، ولو أكمل الفاتحة لفاته الركوع.
هناك قول خامس أشد من هذه الأقوال يقول: إن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد والمسبوق والذي أدرك الصلاة من أولها، وإلى هذا ذهب بعض المتأخرين ومنهم الشوكاني في "شرح المنتقى" وقال: "لا تصح"، وأجاب عن حديث أبي بكرة بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"ولا تعد" ولكن هذه الإجابة ساقطة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لاتعد" وكلمة "لا تعد" ننظر هل المعنى: لا تعد إلى السرعة لإدراك الركعة، أو المعنى: لا تعد إلى الركوع قبل أن تدخل في الصف، أو المعنى: إلى الاعتداد بالركوع إذا لم تدرك الفاتحة؟ كل هذا محتمل، نقول: أما الأول: لا تعد إلى الإسراع فهذا صحيح، والثاني: لا تركع قبل الدخول في الصف فذلك صحيح، الثالث: فيه احتمال، ولكن يبعده أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بإلغاء هذه الركعة، ولو كان هذا العمل مردودًا -أي: عدم قراءة الفاتحة في حال السبق- لبينه له النبي صلى الله عليه وسلم كما بين ذلك لمن صلّى وهو لا يطمئن.
إذن الصواب في هذه المسألة: أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد في السرية والجهرية إلا المسبوق، وكما قلت لكم: إنه لولا حديث عبادة بن الصامت لكان القول المتعين هو التفريق بين السرية والجهرية وأن الإنسان إذا سمع قراءة إمامه الفاتحة سقطت عنه؛ لأنه استمعها وأمن عليها، ولكن لا نستطيع أن نتجاسر على هذا القول، وحديث عبادة نصّ في الموضوع على أن القول بالتفصيل هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، واختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله، والقول بالوجوب مطلقًا هو اختيار شيخنا عبد العزيز بن باز رحمه الله فقد ذهب إلى أنها واجبة على المأموم مطلقًا بكل حال، ولولا النص لقلنا بالتفصيل كما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.