للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم يقول إذا سلم: "والذي نفسي بيده إني لأشبهكم" هذا قسم، أقسم رضي الله عنه أنه أشبههم صلاة بصلاة النبي صلى الله عليه وسلم، وأقسم بالذي نفسه بيده، والمراد: نفسه بيده تصريفًا وقبضًا وتأجيلًا، فالذي بيده الأنفس لله عز وجل إن شاء قبضها وإن شاء أجلها، وإن شاء أضلها وإن شاء هداها كما قال عز وجل: {ونفس وما سوها (٧) فألهمها فجورها وتقوها} [الشمس: ٧ - ٨]. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم بهذا أحيانًا.

"إني لأشبهكم" الجملة جواب القسم، وعليه فتكون هذه الجملة مؤكدة بثلاثة مؤكدات: القسم، وإن، واللام.

"إني لأشبهكم"، وإنما أقسم رضي الله عنه حثًا للناس وترغيبًا لهم أن يفعلوا مثل فعله؛ لأن القسم مما يزيد طمأنينة وقبولًا، "لأشبهكم صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم" (صلاة) هذه منصوبة على أنها تمييز؛ لأن ما جاء من بعد اسم التفضيل يكون تمييزًا لقوله تعالى: {أنا أكثر منك مالًا وأعز نفرًا} [الكهف: ٣٤]. فـ {مالًا} تمييز و {نفرًا} تمييز أيضًا.

في هذا الحديث فوائد منها: جواز الجهر بـ {بسم الله الرحمن الرحيم}؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه جهر بذلك، ولكن هل الجهر هنا من أجل أن من السنة الجهر بها أو للتعليم كما فعل عبد الله بن عباس رضي الله عنه حين جهر بقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة وقال: ليعلموا أنها سنة؟ في هذا احتمال، وإذا كان فيه احتمالان فالواجب أن يرد إلى المحكم، والمحكم أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا لا يجهرون بها، وهذا هو المعتمد، وعليه فيكون فعل أبي هريرة رضي الله عنه من باب التعليم والإيضاح، ولهذا أقسم في آخر الحديث أنه أشبه الناس صلاة بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومن فوائد هذا الحديث: تسمية الفاتحة بـ"أم القرآن"، وأم الشيء مرجعه، وسميت الفاتحة "أم القرآن"؛ لأن جميع معاني القرآن موجودة فيها؛ ففيها التوحيد، وفيها الفقه، وفيها السير، وفيها الإيمان باليوم الآخر، وفيها أقسام الناس المنحصرة وهي: المهديون، والذين أنعم الله عليهم، والضالون، والمغضوب عليهم؛ لذلك سميت "أم القرآن"، ومن ثم قراءتها في الصلاة صارت ركنًا لا تصح الصلاة إلا به.

ومن فوائد هذا الحديث: التأمين بعد قوله: {ولا الضآلين} والتأمين سنة، وهو اسم فعل بمعنى: اللهم استجب، واسم الفعل عند النحويين: "ما دل على معنى الفعل ولم يقبل علامته"، هذا هو اسم الفعل، فإن قبل علامته فهو فعل إما ماض، أو مضارع، أو أمر، ويقال: آمين، ولا يقال: آمّين، وإن كان بعضهم ذكر أنها لغة ولكنها رديئة جدًا؛ لأن آمّين بتشديد الميم بمعنى: قاصدين، لكن آمين بمعنى: اللهم استجب، ويجوز قصر الهمزة فيقال: "أمين"، لكنها لغة ضعيفة أيضًا إلا أنها ليست كالأولى، والمد هو الصواب "آمين".

<<  <  ج: ص:  >  >>