وتعالى- قال في كتابه العزيز:{وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون}[الزمر: ٦٧]{وله الكبرياء في السماوات والأرض}[الجاثية: ٣٧]. الكبرياء في المعنى، ولا يوصف أحد بالكبر سوى الله عز وجل من وصف بالكبر سوى الله فهو ناقص، فالكبر وصف نقص بالنسبة للمخلوق، ووصف كمال بالنسبة للخالق.
"ولا حول ولا قوة إلا بالله" حول بمعنى: تحول؛ فهي اسم مصدر؛ لأنها دلت على معنى المصدر ولم تضمن حروفه، المعنى: لا تحول ولا قوة على التحول إلا بالله؛ فالأول: الإرادة، والثاني: الفعل، أو إن شئت فقل: الثاني القوة ويترتب عليها الفعل، والمعنى: أنه لا أحد يستطيع أن يتحول من حال إلى أخرى إلا بالله، والباء هنا في قوله "إلا بالله" للاستعانة، و"العلي" أي: ذو العلو مكانة ومكانًا، فإن الله -سبحانه وتعالى- فوق كل شيء، وهو العلي بصفاته عن كل شيء، فيشمل هنا العلو المعنوي والعلو الحسي، "العظيم" أي: ذو العظمة في جميع صفاته، علمه عظيم، قدرته عظيمة، سمعه عظيم.
فهذه خمس جمل تجزئ عن الفاتحة لمن لم يستطيع أن يقرأها.
قال:"الحديث"، الحديث يقولون: إنه يجوز أن تقرأه بالنصب يعني: أكمل الحديث، أو يكون مجرورًا على نزع الخافض على تقدير المضاف، أي: إلى آخر الحديث.
في هذا الحديث فوائد وهي: سقوط قراءة الفاتحة عمن عجز عنها، ولكن هل يجب على الإنسان أن يتعلم الفاتحة أو لا؟ الجواب: يجب، وإذا لم يتعلمها، يعني: لم يجد من يعلمه إلا بأجرة وجب عليه أن يستأجره ويعلّمه إياها، لأن قراءة الفاتحة واجبة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ومن فوائد هذا الحديث: أن من عجز عن القرآن أجزأه ما ذكره، ولكن لو عجز عن الفاتحة وقدر على غيرها، فهل يلزمه أن يقرأ غيرها دون هذا الذكر، أو ينتقل من الفاتحة إلى هذا الذكر؟ الظاهر الأول، ولكن ظاهر الحديث: الثاني، وقد يقال: إن هذا ليس ظاهر الحديث؛ لأنه يقول:"لا أستطيع أن آخذ من القرآن شيئًا"، فيعم الفاتحة وغيرها، والأول هو الذي مشى عليه الفقهاء -رحمهم الله- وقالوا: إذا كان لا يستطيع الفاتحة ولكن معه شيء من القرآن وجب عليه أن يقرأ ما معه من القرآن، سواء كان بقدر الفاتحة أو أكثر أو أقل، لكن لا يلزمه ما زاد على الفاتحة، فلو فرضنا أنه يحفظ سبع آيات الآية منها أطول من آيات الفاتحة لم يلزمه إلا مقدار الفاتحة، وإذا لم يحفظ من القرآن إلا أقل من الفاتحة لم يلزمه سواها، وهل يكتفي به أو يكمل من هذا الذكر؟ نقول: يكتفى به؛ لأن ما معه من القرآن من جنس الفاتحة فيكتفي به.