للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَّحِيمٌ} [التوبة: ١٢٨]. فهنا ينهى عنه، ولذلك لو أن الجنب دعا بالآية: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٤٧] لكان هذا جائزًا لأنه دعا بالقرآن والحديث الذي معنا "أن أقرأ القرآن" بأن يتلوه يريد قراءته، وعليه فإذا دعا بما يوافق القرآن فلا حرج عليه في ذلك ولا إثم عليه.

ومن فوائد هذا الحديث: حسن تعليم النبي صلى الله عليه وسلم وحكمته في تعليمه، وهو أنه لما ذكر ما ينهى عنه عوض عنه ما يحل ويؤمر به، كيف هذا؟ أنه لما قال: "نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا وساجدًا" أتى بعوض وهو أن الركوع يعظم فيه الرب، وأن السجود يكثر فيه من الدعاء وهذه الطريقة هي طريقة القرآن الكريم قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وقُولُوا انظُرْنَا} [البقرة: ١٠٤] فنهى عن الكلمة وأتى بعوضها كذلك السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تقولوا: ما شاء الله وشئت، ولكن ما شاء الله وحده"، ولما أوتي إليه بتمر جيد قال: "من أين هذا؟ " قالوا: يا رسول الله، نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة قال: "أوه عين الربا"، وأرشد عليه الصلاة والسلام إلى أن يباع التمر الرديء ويؤخذ القيمة ويشترى بالدراهم تمرًا جيدًا، فلما نهى عن هذه المعاملة أتى بمعاملة بدلها.

وهكذا ينبغي لكم إذا نهيتم الناس عن شيء والناس قد ابتلوا به، أن تذكروا عوضه المباح لئلا توقعوهم في حرج أو لا يمتثلوا ما نهيتم عنه، ثم إذا فعلتم هذا فإنما سرتم على ما سار عليه القرآن وسار عليه النبي صلى الله عليه وسلم أما بعض الناس مثلًا يأتي ويوعظ الناس ويقول: هذا حرام، وهذا حرام ويسكت، والناس محتاجون إليه إذا لم يجدوا بدله فلن يمتثلوا ليس هذا بصواب بل يقول: هذا حرام أن يقول: ولكن هذا حلال لأجل أن يكون للناس متسع.

ومن فوائد هذا الحديث: أن الركوع محل التعظيم: "عظموا فيه الرب"، الواجب: "سبحان ربي العظيم" كما جاءت به السنة، لكن لو قال: "سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم" كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، يجوز أو لا يجوز؟ يجوز؛ لأن هذا من تعظيم الرب، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلق، لكنه بين أنه يقول: "سبحان ربي العظيم"، وإذا أتى بما يدل على تعظيم الله فهو جائز لا شك لأنه داخل في العموم.

ومن فوائد هذا الحديث: إثبات اسم الرب لله عز وجل الرب في القرآن الكريم لم يأت إلا مضافًا: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ}، {رَّبُّ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ}، وما أشبه ذلك، لكن السنة

<<  <  ج: ص:  >  >>