والقسم الثاني: ما دل الدليل على أنه للأمة فقط فهو للأمة.
والثالث: ما لم يدل عليه دليل لا هذا ولا هذا فهو له وللأمة لأن الله تعالى قال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ وذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: ٢١]
فهنا لما نهي الرسول- عليه الصلاة والسلام- هل نقول: إن النهي خاص به أو عام؟ عام؛ لأنه إذا لم يوجد دليل على الخصوصية وجب أن يكون عامًا أي إنسان يقول لك هذا موجه للرسول فقل: نعم، لكنه إذا وجه للرسول فهو موجه لنا؛ لأننا مأمورون بإتباعه.
ومن فوائد هذا الحديث: عظمة القرآن العظيم وجهه: أنه نهى الإنسان المصلي الذي يناجي الله أن يقرأ القرآن في حال الركوع والسجود؛ لأن حالة الركوع والسجود فيها نوع من التواضع من الإنسان، فلا يليق بالقرآن أن يكون تاليه على هذا الحال، أرأيت الآن لو أنك تحدثني وأنت راكب أو تحدثني وأنت ساجد أو تحدثني وأنت قائم أيهما أبلغ في التعظيم؟ وأنت قائم لو حدثني وأنت راكب قلت: هذا الرجل لا يبالي بي ولا يهتم بي، أو واحد مثلًا يحكي كلامًا لشخص يقول: أيها الناس اصبروا فإني سأحدثكم حديثًا عن فلان حضر الناس وجلسوا يتحدثون ماذا يصير هذا؟ غير لائق لهذا قال أهل العلم: لما كان القرآن الكريم عظيم المنزلة كان حقه أن يكون حال ارتفاع الإنسان يعني: وهو قائم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان لو قرأ القرآن وهو راكع أو ساجد بطلت صلاته لأنه أتى بقول منهي عنه بخصوص الصلاة فكان مفسدًا لها، فلو أن الإنسان ركع وبدأ يتلو قول الله تعالى:{إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ واخْتِلافِ اللَّيْلِ والنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ}[آل عمران: ١٩٠]. فصلاته باطلة؛ لأنه أتى بقول منهي عنه فتبطل صلاته، كما لو تكلم في الصلاة بكلام الآدميين المنهي عنه، وإلى هذا ذهب ابن حزم رحمه الله، والظاهر أن الظاهرية مثله، وقالوا: هذا منهي عنه بخصوصه، والإنسان إذا قرأ القرآن في حال الركوع، فإنه عاص لله معصية خاصة بالصلاة فتبطلها، لكن أكثر أهل العلم يقولون: إن الصلاة صحيحة ويجيبون عن هذا بأن النهي ليس لذات القرآن ولكن لمحل القرآن وإلا فإن القرآن مشروع في الصلاة فهو من جنس الأذكار المشروعة فيها، فالنهي ليس لذات القرآن، بل لكونه في هذا المحل، وبعدوا بذلك عن القول بإبطال الصلاة.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الإنسان لو دعا في سجوده بآية من كتاب الله مثل أن يقول: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ}[آل عمران: ١٤٧].
فإن ذلك جائز؛ لأنه لم يقرأ القرآن لكن دعا بالقرآن بخلاف ما لو قال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ