للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا ركع: "سبحان ربي العظيم"، ولما نزلت آية: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} قال: "اجعلوها في ركوعكم".

وقوله: "الرب"، "أل" هنا للعهد الذهني؛ لأنه معلوم بالذهن، وليس للعهد الذكري ولا للعهد الحضوري، أما العهد الذكري فانتفاؤه لأنها لم يسبق لها ذكر، وأما الحضوري فلأنها لم تأت على الوجه المعروف في "أل" الحضورية، وقوله: "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء"، لكن مع التسبيح الواجب وهو "سبحان ربي الأعلى"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا سجد يقول: "سبحان ربي الأعلى"، ولما نزلت {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: "اجعلوها في سجودكم"، يعني: قولوا في السجود: "سبحان ربي الأعلى"، وإنما كان ذكر السجود بهذه الصيغة "سبحان ربي الأعلى"، لأن وضع الإنسان جبهته وهي أعلى ما في جسمه تدل على النزول، فكان المناسب أن ينزه الله عز وجل عما كان عليه العبد الآن، ويقول: هذا من باب ذكر الشيء بمقابله، فأنت لما نزلت جبهتك أثنيت على الله عز وجل بأنه الأعلى الذي لا يليق به أن يكون نازلًا، "فقمن أن يستجاب لكم" "قمن" لها معنى: حقيق أو حرى المعنى: أنكم إذا دعوتم الله حال السجود فهذا أقرب إلى الإجابة، حري أن يستجاب لكم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر "أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، مع أننا لو نظرنا إلى الأمر الحسي لكان السجود أبعد؛ لأن الإنسان كله يكون في الأرض لكنه لما كان نزولًا لله عز وجل كان ذلك أقرب إلى الله.

في هذا الحديث دليل على فوائد منها: أن الشيء المهم ينبغي أن يستعمل الإنسان فيه ما يدل على الانتباه لقوله: "ألا" كل شيء تريد أن تنبه عليه وتعتني به فأت بأداة التنبيه، وانظر إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" كيف كرر هذه الأداة التي هي للتنبيه والاستفتاح لأهمية الموضوع.

ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم عبد يوجه إليه الأمر والنهي لقوله: "ألا وإني نهيت" ومن فوائده أن الأحكام الثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم هي لأمته لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يخبرنا أنه نهي إلا من أجل أن نتأسى به، واعلم أن الخطاب الموجه للرسول صلى الله عليه وسلم على ثلاثة أقسام:

القسم الأول: ما دل الدليل على أنه خاص به فهو خاص به.

<<  <  ج: ص:  >  >>