٢٨٢ - وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم". رواه مسلم.
قوله:"ألا" أداة استفتاح وتنبيه وهي هنا أداة تنبيه؛ لأن المؤلف رحمه الله حذف أول الحديث وهو أنه قال صلى الله عليه وسلم:"إنه لم يبق من مبشرات النبوة إلا الرؤيا الصالحة يراها المسلم أو ترى له، ألا وإني نهيت"، ولهذا جاءت الواو بعد ألا.
قوله:"ألا وإني نهيت" الواو حرف عطف على ما حذفه المؤلف رحمه الله من أول الحديث "نهيت": الناهي هو الله عز وجل؛ لأنه لا أحد ينهى الرسول - عليه الصلاة والسلام - إلا الله - سبحانه وتعالى-، والنهي: طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة، وهي المضارع المقرون بلا الناهية. هذا هو النهي، فإذا قلت:"لا تفعل كذا" هذا نهي، وإذا قلت:"اترك كذا" فهذا ليس بنهي، مع أنه طلب كف، لكنه ليس بالصيغة المعروفة التي هي المضارع المقرون بلا الناهية، وإذا قال زميلك:"لا تفعل كذا" فإنه ليس بنهي اصطلاحًا، لماذا؟ لأن زميلك إذا قال:"لا تفعل" ليس على وجه الاستعلاء، وإذ قال الغلام لسيده:"لا تكلفني يا سيدي" فهذا ليس بنهي؛ لأنه ليس على وجه الاستعلاء، وإنما هو على وجه الرجاء، فالمهم اضبط القيود حتى تعرف النهي، "طلب الكف على وجه الاستعلاء بصيغة مخصوصة هي لا الناهية" هذا معناه في اللغة وفي عرف العلماء، لكن قد يرد شيء يدل على النهي بدون أن يكون بهذه الصيغة، مثل نصوص الوعيد تتضمن النهي بلا شك وزيادة، ولكنها ليست بالصيغة المعروفة، الجملة التي معنا "نهيت"، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم الصيغة التي جاءت من الله عز وجل موجهة إلى الرسول، فلا نستطيع أن نقول: هو بالصيغة المعروفة، بأن قال الله: لا تقرأ القرآن يا محمد راكعًا ولا ساجدًا، أو أنها بصيغة الوعيد على من قرأه، فمع هذا الاحتمال ننظر للراجح، فما هو الأصل الذي يرجح أحد الاحتمالين؟ أنه بصيغة معروفة:"لا تقرأ القرآن".
قوله:"راكعًا" حال من فاعل "أقرأ""أو ساجدًا"، (أو) للتنويع، ثم لما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا، كان من عادته أنه إذا نهى عن شيء ذكر ما يحل محله، قال:"فأما الركوع فعظموا فيه الرب"، لأن الركوع أصلًا للتعظيم، فالانحناء للغير يعني: التعظيم له، فكان من المناسب أن يكون ذكره هو ذكر التعظيم "عظموا فيه الرب"، والأمر بالتعظيم هنا مجمل، لكن بينته السنة