ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ قراءته مترسلًا، لاسيما في التهجد كما جاء ذلك في حديث حذيفة في صحيح مسلم، وهذا أبلغ في التدبر وفي إتيان الحروف حقها في النطق وصفاتها في المخارج، لكن لا على سبيل ما يفعله المتشددون في التجويد المتشدقون فيه بحيث ربما يخرج الحرف حرفين أو أكثر، ورأيت في هذه السنة في حفل تخرج من يقرأ بالتجويد فإذا به يحمر وجهه، وتنتفخ أوداجه، ويهز كل بدنه ويتكلف، وإذا قرأ جملتين أو ثلاثة تعب ووقف - يعني: دقيقة - كل هذا من أجل أن يطبق ما يزعم أن هذا تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية رحمة سأل، وإذا مر بآية وعيد تعوذ.
هل يفرض الضمير فيقول:"اللهم ارحمني"، "اللهم أعذني من النار" أو يجمعه؟ الثاني، يجمع وينوي عن نفسه وعمن كان مؤتمًا به، ولهذا جاء في الحديث - حديثًا استدل به بعض العلماء - أن الإمام إذا خص نفسه بالدعاء دون المأمومين فقد خانهم، هذا صحيح؛ لو أن الإمام يقول في قنوط الوتر:"اللهم أهدني فيمن هديت"، وهم يقولون: آمين فما الذي بقي لهم؟ ما بقي لهم شيء، فكل الدعاء لنفسه، ويجبرهم على أن يؤمنوا لنفسه وهذه خيانة، ولذلك لو كان معك أحد فأت بضمير الجمع، وانظر إلى الحكمة المبنية على العلم والرحمة كيف جاء في سورة الفاتحة جاءت بصيغة الجمع: {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (٦)} مع أن القارئ إذا كان يصلي وحده ما معه أحد، لكن لعلم الله - ولا نقول على الله إلا ما نظن أنه حق - لعلم الله أن هذه السورة ستتلى، وسيكون خلف القارئ من يؤمن على دعائه فجاءت بصيغة الجمع {إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ (٦)}، فهذا الإمام ينهى عن ذلك، وأما التأمين على دعائه فليؤمن المأموم ما دام تبعًا له، وهذا يدل على جهل هؤلاء، وهم بمنزلة العوام.
والزيادة في صحيح مسلم: أن ذلك في صلاة الليل، وفيه أيضًا زيادة: أنه لا يمر بآية تسبيح إلا سبح وذكرنا، هل يتعدى ذلك إلى الفرض أو لا يتعدى، وأشرنا إلى القاعدة، أن ما يثبت في النفل يثبت في الفرض إلا بدليل، وقلنا: إن الذين نقلوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم المفروضة لم يذكروا هذا، وانتهينا إلى أنه لا بأس به في الفريضة، وأنه في صلاة الليل مسنون.