للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولهذا كان القول الراجح في هذه المسألة: أنه لو شرع فيه قبل أن يتحرك إلى الركن الثاني، ولكنه أكلمه في حال الهوي فلا بأس، وكذلك لو أكمل بعد أن وصل إلى الركن الثاني فلا بأس، لو كبَّر التكبير كله قبل أن يهوي فهنا نقول: لا يُجزئ؛ لأنه أتى بذكر مشروع في غير محله وترك ذكرًا واجبًا في محله، كذلك أيضًا لو لم يكبًّر إلا إذا وصل إلى الركن الثاني فإن ذلك لا يُجزؤه، لماذا؟ لأنه ترك ذِكرًا واجبًا في محله وأتى بذِكر في غير محله.

والعجب: أن بعض المجتهدين من الأئمة عن غير علم في حال السجود يقول: لا أكبِّر حتى أصل إلى الأرض، لماذا يا شاطر؟ قال: لئلا يسبقني الناس في السجود، لو كبّرت من حين أهوي لوصل الناس للسجود قبلي، وهذا لا يجوز، لأن الواجب أن يقوم الإنسان بما عليه ومن خالف على نفسه، أما أن أُغير ما شُرع من أجل هذا المأموم فهذا لا يجوز، إذن القول الراجح: أن تكبيرات الانتقال واجبة، وأنه لا حرج أن يبدأ بها قبل أن يتحرك أو يُنهيها بعد أن يصل إلى الركن الثاني.

ومن فوائد الحديث: أن ظاهره أن التكبيرات سواء، يعني: تكبيرة الهُوِي إلى السجود كتكبيرة القيام للجلوس ولا فرق، لأن أبا هريرة لم يقل: وكان يُطيل التكبير في المكان الفلاني، أو يقصرهما في المكان الفلاني، وهذا هو الأصل؛ لأنه لو كان هناك تغيير لنُقل وذُكر، فلما لم يُنقل ويُذكر عُلم أنه لا تغيير، وأن التكبيرات على حد سواء، وهذا هو الراجح وهو الذي يُعد فيما أظنه سُنة النبي صلى الله عليه وسلم وكنا قبلُ نسير على حسب ما يعمله مشايخنا -رحمهم الله- نفرق بين التكبيرات؛ يعنى: تكبيرة الجلوس بين اثنتين، وتكبيرة الجلوس للتشهد الأول وللتشهد الأخير، حتى صلى معنا بعض طلبة الحديث وقال لي: ما دليلك على هذا التكبير؟ فما لي إلا عمل المشايخ، قال: عمل المشايخ ليس بحجة، عمل المشايخ يُحتج له ولا يُحتج به، وظاهر السُّنة أولى بالإتباع، فقلت: جزاك الله خيرًا، هذا -إن شاء الله- هو الحق، وبدأنا -والحمد لله- نسير على هذا وأول ما بدأت أعمل -يعنى: هذه التكبيرات التي لا يتميز بعضها عن بعض-، بدأ الناس يقولون: سبحان الله، سبحان الله! لماذا؟ لأنّا عودناهم على التفريق بين التكبيرات كما كان عليه عمل المشايخ كما قلت سابقًا، لكن في النهاية حصل الخير وعرفوا الحق.

وفيه من الفوائد مع موافقة ظاهر السُّنة: أن المؤمنين كل واحد منهم يحترز ويحتاط وينتبه، لئلا يقوم في محل الجلوس، أو يجلس في محل القيام، يعني: يضبط نفسه، أما لو كان على حسب التغير لكان آلة ميكانيكية؛ إذا جاء التكبير الذي يُمد قام، وإذا جاء الذي يُخفف جلس، فكان في هذا فائدة ثم فيه فائدة ثالثة: وهي أنه إذا كان بعض المأمومين ليس يشاهد في مكان آخر، كما في

<<  <  ج: ص:  >  >>