يحصل فرق عظيم في الكمية؛ لأن الأجسام الكبيرة يقل عددها إذا ملأت السموات والأرض، والصغيرة يكثر عددها، وهكذا يختلف اختلافًا كثيرًا في الكمية، وإذا كنا نريد أن تكون الكتلة واحدة لا يحتاج إلى أن نقول: لو كان أجسامًا لملأ ذلك، فإذا كنا نقدر أن هذا الحمد أجسام متفرقة لزم من ذلك أن تختلف الكمية اختلافًا كثيرًا، أرأيت حب البر كم يكون عدده إذا وضعته في الفنجان؟ قل مثلًا: خمسمائة حبه، لكن حب الحمص يكون أقل من هذا بكثير، وإن جعلتها كتلة واحدة لا تقل: أجسامًا، قل: كتلة كالهواء، ملأت هذا هواء، وقيل: معنى ((ملء السموات والأرض)): أن حمد الله عز وجل مالئ للسموات والأرض؛ لأن كل ما في السموات والأرض فهو مخلوق لله عز وجل، وقد حمد الله نفسه على خلق السموات والأرض فقال:{الحمد لله الذي خلق السموات والأرض وجعل الظلمات والنور}[الأنعام: ١]. وعلى هذا فمعنى:((ملء السموات)): أن حمد الله عز وجل شامل لكل ما في السموات والأرض؛ لأنه خلقه، وهو- سبحانه وتعالى- محمود على خلقه، وهذا أقرب إلى المعنى أنه لعظم هذا الحمد كان شاملًا لكل ما في السموات والأرض.
قال:((وملء ما شئت من شيء بعد)) هل الله شاء شيئا بعد هذا؟ نعم، شاء شيئا قبل السموات والأرض وشاء شيئا بعد السموات والأرض، أما ما بعد السموات والأرض فالجنة والنار، وأما قبل السموات والأرض نعرف بعضها ولا نعرف البعض.
لكن كلمة ((بعد)) ألا تعين أن يكون المراد ما بعد فناء السموات والأرض؟
الجواب: البعدية تكون باعتبار الزمن، وعلى هذا تكون ((بعد)) أي: بعد السموات والأرض، وتكون البعدية بمعنى الحال، أو بمعنى وراء، أو بمعنى سوى، فيكون ((ما شئت من شيء بعد)) أي: بعد السموات والأرض السابق واللاحق، وهذا هو الأصح؛ لأن هذا أعم.
((أهل الثناء والمجد)) بفتح اللام أو بضمها؟ هي عندنا بالفتح على أنها منادى، والأصل:((يا أهل الثناء والمجد)) ويجوز الرفع من حيث الإعراب والمعنى أيضًا، ويكون المعنى: أنت أهل الثناء والمجد، لكن الأول أبلغ، مناداة الله عز وجل ووصفه بهذا أبلغ؛ لأن النداء به يتضمن الإقرار به، والنداء به والخبر فقد يتضمن الإقرار فقط ((أهل الثناء)) يعني: أنك يا ربنا أهل للثناء، وهو تكرار أوصاف الكمال، كما يقول الله عز وجل حين يقول المصلي:{الرحمن الرحيم}: أثنى على عبدي)) ١. يعنى: أنك أهل لأن يكرر الثناء عليك، و ((المجد)): العظمة والسلطان، ولذلك تجدون في ((سورة البروج)) ما يدل على العظمة من أولها إلى آخرها.
أولها الإقسام بالسماء ذات البروج، ثم في أثنائها بالعرش المجيد، ثم في آخرها {بل هو