مصدرة بما تقتضي الإيجاب، أوجب الله على نفسه أن يهدي عباده هداية العلم والإرشاد، وقال عز وجل:{إنا هدينه السبيل إما شاكرا وإما كفورا}[الإنسان: ٣]. يعني: هديناه السبيل سواء كان شاكرًا أو كان كفورًا، والمراد بالهداية هنا: هداية علو وإرشاد، وقال عز وجل:{وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}[فصلت: ١٧]. هديناهم يعني: دللناهم بالعلم والإرشاد، فالمهم أن قول المصلي أو غير المصلي إذا سأل الله الهداية يريد الهدايتين هداية العلم والإرشاد وهداية التوفيق، ولهذا جاءت في سورة الفاتحة غير معداة بحرف بل {أهدنا الصراط}، وليست أهدنا إلى الصراط؛ لأنه لو قال: أهدنا إلى الصراط صار الأمر ظاهرًا بأن المراد: هداية العلم والإرشاد، أهدنا إليه يعني: دلنا إليه، لكن أهدنا هنا هذه تدل على أنه يركب الطريق المستقيم، ولا يمكن أن يركبه إلا بعد العلم.
((وأهدني وعافني)) من ماذا؟ عافني من كل مرض سواء كان مرضًا نفسيًا، أو مرضًا قلبيًا، أو مرضًا جسميا عضويا أو كليًا، انوها بقلبك أنك تسأل العافية من كل شيء، لكن ما هو الأهم؟ الأهم: العافية من أمراض القلوب، اللهم عافنا من أمراض القلوب والأبدان، العافية من أمراض القلوب أهم؛ لأنه إذا مرض القلب، ثم مات خسر الإنسان دنياه ولآخرته، لكن أمراض الأبدان غايتها ونهايتها أن يموت الإنسان، ولا بد منه؛ ولهذا لما جاء ملك الموت إلى موسى- عليه الصلاة والسلام- يقبض روحه وصقه فرجع إلى الله عز وجل وقال: أرسلتني إلى رجل لا يريد الموت. قال: اذهب إليه وقل له يضع يده على جلد ثور، فله ما تحت يده من السنوات يعيشها، فبلغ موسى قال: ثم ماذا؟ قال: ثم الموت لابد من هذا، مهما طالت بك الحياة فلابد من الموت.
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته يومًا على آلة حدباء محمول
قال: إذن الآن، وسأل الله أن يدينه من الأرض المقدسة مقدار رمية بحجر.
المهم يا إخوان أن أقول: إن المرض الذي يسأل الإنسان العافية منه هو جميع الأمراض، لكن أهمها مرض القلب، اللهم أحيي قلوبنا يا رب العالمين.
((وعافني وارزقني)) وارزقني ماذا؟ أكل، شرب، لباس، سكن، نكاح، كل شيء، ومن ذلك رزق الدين؛ العلم والإيمان والعمل الصالح، وهذا أهم الأرزاق أن يرزقك الله علمًا وإيمانًا وعملا، هذا أفضل شيء.
من فوائد الحديث: أن الجلسة بين السجدتين جلسة دعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخصها بالدعاء.