للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد كفي بين كفيه كما يعلمنا السورة من القرآن".

وهذا أبلغ، لأن قوله: "علمني" ثم قال: "كفي بين كفيه" يدل على عناية النبي صلى الله عليه وسلم بهذا، يعني: كأن الرسول أمسك بكف ابن مسعودٍ وجعلها بين كفيه من أجل أن ينتبه.

"كما يعلمنا السورة من القرآن" يعني: اعتنى بهذا اعتناءً بالغًا، أما اللفظ الثاني فهو أن الرسول صلى الله عليه وسلم التفت إلى أصحابه وقال: "إذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله" ... إلخ.

قوله: "إذا صلى" لم يبين في هذا اللفظ موضع هذا التشهد، لكن بين في ألفاظٍ أخرى أنه في التشهد، وقوله: "فليقل" اللام للأمر، وتسكن بعد الفاء كما هي القاعدة.

"التحيات لله" "أل" للاستغراق، أي: جميع التحيات لله، و"التحيات" جمع تحية: وهي: الإكرام والتعظيم وما أشبه ذلك.

وقوله: "لله" اللام هنا لها معنيان المعنى الأول: "الاختصاص، والمعنى الثاني: الاستحقاق، أما الاختصاص فلا أحد يقال له التحيات على العموم، وأما الاستحقاق، فلأن الله- تبارك وتعالى- أحق من يحيا، فاللام هنا دالة على معنين: الاختصاص والاستحقاق، و"لله"- تبارك وتعالى- اسم رب العالمين- جلا وعلا-، و"الصلوات" الواو حرف عطف جملة على جملة، وليس عطف مفرد على مفرد؛ لأن الجملة الأولى تامة لقوله: "التحيات لله"، وعلى هذا نعرب "الصلوات والطيبات" على أنها مبتدأ والخبر محذوف؛ أي: "والصلوات لله والطيبات لله، ولا يصح أن نقول: إنها معطوفة على التحيات، لأن هذه الجملة "التحيات لله" استكملت أركانها.

"الصلوات" ما المراد بالصلوات؟ هل المراد بالصلوات: الدعوات؛ يعني: أنه عز وجل هو أحق من يدعى، أو المراد بالصلوات: العبادة المعروفة؟ من حيث اللغة: يحتمل المعنيين، لكن من حيث الدلالة الشرعية لا يحتمل إلا المعنى الثاني وهي العبادة المعروفة، ويؤيد ذلك أمران:

الأمر الأول: أن معنى الصلاة في اللغة نقل إلى معنى شرعي فصار له حقيقة شرعية؛ وهي العبادة المعروفة، فيجب أن تحمل الصلاة على المعنى الشرعي؛ أنها نقلت.

الأمر الثاني: أن هذا التشهد في الصلاة، فكان من المناسب ذكر الصلاة على وجه الخصوص، وهذا الأمر الثاني خاص بهذه المسألة؛ أما الأول فهو عام، كلما دار الأمر بين المعنى اللغوي والشرعي في لسان الشارع حمل على المعنى الشرعي، إلا أن يفسر من عند النبي صلى الله عليه وسلم فهنا نأخذ بما فسره مثل قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها وصلي عليهم} [التوبة: ١٠٣]. هذه معناها: الدعاء وليس معناها: العبادة المعروفة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صل عليهم".

<<  <  ج: ص:  >  >>