"والطيبات" الطيب: ضد الخبيث، وضد ما ليس بطيبٍ ولا خبيث، فما هي الطيبات؟ الطيبات تشمل أشياءً كثيرةً لا تحصر.
أولًا: الطيبات من الأوصاف كلها لله عز وجل، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا".
ثانيًا: الطيبات من الأفعال، فكل أفعالٍ لله طيبة، حتى الأفعال التي يكون فيها ضرر على قومٍ هي في الحقيقة طيبة لما تتضمنه من الحكمة.
المعنى الثالث في الطيبات: الطيبات من الأعمال، فلله الطيبات من العمال، وأما الخبائث فلا يقبلها الله لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا" وأما الخبيث فلا يقبله.
ثم قال:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته" هذا سلام على النبي صلى الله عليه وسلم، ولكنه هل هو السلام الذي هو التحية المعروفة بين الناس؟ الجواب: لا، ولذلك لا يجهر الصحابة بهذا حتى يرد الرسول- عليه الصلاة والسلام-، ولو كان هو السلام بالخطاب المعروف لأبطل الصلاة، لكنه دعاء للنبي صلى الله عليه وسلم بالسلامة.
فإن قال قائل: إذا كان دعاء فما فائدة الخطاب: السلام عليك أيها النبي؛ لأنه إذا كان دعاء فالدعاء للغائب؟
فالجواب: أن هذا يدل على قوة استحضار الداعي، كأنما النبي صلى الله عليه وسلم أمامه يخاطبه، ولذلك نقول: إن هذا الدعاء بهذا اللفظ باقٍ إلى يوم القيامة كما سيأتي في الفوائد.
وقوله:"أيها النبي": هذا منادى حذفت منه ياء النداء، والأصل: يا أيها النبي، و"النبي" يقال: النبيء، ويقال: النبي وهو الأكثر، أما على الوجه الأول:"النبيء" فهو فعيل بمعنى فاعل، وبمعنى مفعول، لأن كلمة فعيل نأتي للمعنيين جميعًا، إذا جعلناه بمعنى: فاعل صار معناه: المنبئ عن الله عز وجل وإذا جعلناه بمعنى: مفعول صار المعنى: المنبأ من الله، وكلا المعنيين صحيح ما دام اللفظ يحتمل هذا وهذا، وهو صادق بالمعنيين، فليكن للمعنيين، فإن قلنا:"النبيء" اسم مفعولٍ بمعنى: الذي أنبأه الله أو اسم فاعلٍ بمعنى: الذي ينبئ عباد الله بما أوحى الله إليه فهذا كلاهما صحيح لقول الله عز وجل: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم* وأن عذابي هو العذاب الأليم}[الحجر: ٤٩ - ٥٠]، أما إذا كانت بدون همزة النبي فقيل: إنها بمعنى المهموز، ولكنها حذفت الهمزة تخفيفًا، وقيل: إنها بمعنى الرفيع الشأن الرفيع المنزلة، وأنه مشتق من "النبوة" لا من "النبأ" ألا يمكن أن نقول في النبي بدون همز: إنه صالح للمعنيين؟ جميعًا؟ بلى، يصح، فنقول: هو رفيع المنزلة: وهو منبئ من الله، وهو منبي لعباد الله، إن النبي صلى الله عليه وسلم يوصف بأنه نبي ويوصف بأنه رسول كما قال تعالى:{محمد رسول الله}[الفتح: ٢٩]. وقال:{يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}[المائدة: ٦٧].