الوجه الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم علم عبد الله بن مسعود هذا الحديث، ولم يقيد، لم يقل: ما دمت في حياتي، بل أمره أن يعلمه الناس بهذه الصيغة.
ثانيًا: أن الذي يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم ليسوا يسلمون عليه كتسليم المقابل لمقابله حتى نقول: إن المقابلة فاتت بموته، لكن يقولون ذلك على وجه الادعاء لا على وجه المخاطبة.
ثالثًا: أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه علم الناس التشهد، وهو خليفة على منبر النبي صلى الله عيه وسلم بلفظ:"السلام عليك أيها النبي"، وهذا بمشهد الصحابة، وبعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، ولم ينكر عليه أحد، وهو- بلا شك- أعلم من عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه وأفقه، حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن يكن فيكم محدثون فعمر"، فالصواب المتعين الذي جرى عليه الناس كلهم فيما نعلم أن كل الفقهاء على أن اللفظ الصحيح في ذلك هو:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته".
ومن فوائد هذا الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم مفتقر إلى رحمة الله، ولهذا شرع لنا أن ندعو له بذلك، وكذلك مفتقر إلى أن يبارك الله له في عمله، ولهذا أمرنا أن ندعو له بذلك.
فإن قال قائل: الرحمة والبركة ثابتتان للرسول- عليه الصلاة والسلام- فكيف ندعو له بهما؟
فالجواب أن نقول: الصلاة ثابتة للرسول- عليه الصلاة والسلام- وقد أخبر الله بها أنه يصلى على رسوله قبل أن يأمرنا بذلك، فقال عز وجل:{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}[الأحزاب: ٥٦].
إذن فصلاتنا عليه ودعاؤنا له بالرحمة والبركة ليس لأنه محتاج، إذ إن هذا ثابت له، لمن من باب التوكيد من وجه، ومن باب كتابة الأجر لنا من وجهٍ آخر. ثالثًا: ولربما يكون من أسباب أن صلاة الله عليه ورحمة الله له وبركاته دعاؤنا.
ومن فوائد هذا الحديث: إثبات الرحمة لله، واعلم أن الرحمة تطلق على معنيين: المعنى الأول: أن تكون صفة لله عز وجل، وهذا كثير وهو الأصل كما قال عز وجل:{وربك الغفور ذو الرحمة}[الكهف: ٥٨].
الثاني: أن تطلق على آثار رحمة الله لا على الرحمة بل على آثارها، مثل قول الله- تبارك وتعالى-: {وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته}[الشورى: ٢٨]. المراد: آثار الرحمة وذلك بنبات الأرض ونحوها، ومنه قوله تعالى في الحديث القدسي في الجنة:"أنت رحمتي أرحم بها من أشاء"، هذه رحمة مخلوقة من آثار رحمة الله عز وجل بالمناسبة {وهو الذي ينزل