كل شرٍ في الحقيقة من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. لو جمعت لك هذه الأدعية جمعها لك الرسول- عليه الصلاة والسلام- متى تحصل هذه الأدعية الجامعة النافعة التي أمرت أن تدعو الله بها في التشهد الأخير وتدعها على أساس أنها ليست بواجبة، وما يدريك أنها ليست واجبة، إذا كان الرسول أمر بها، فلقائلٍ أن يقول: ما أمر به الرسول فالأصل فيه الوجوب، وألزمت بأن تقولها، وإن كان جمهور أهل العلم يرون أنها ليست بواجبة، ولكنهم متفقون على أنها من السنة، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يدعها.
٣٠٣ - وعن أبي مسعودٍ الأنصاري رضي الله عنه قال: قال بشير بن سعد: يا رسول الله، أمرنا الله أن نصلي عليك، فكيف نصلي عليك؟ فسكت، ثم قال: قولوا: "اللهم صل على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمدٍ، وعلى آل محمدٍ، كما بارك على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما علمتم". رواه مسلم.
- وزاد ابن خزيمة فيه:"فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ "
تقدم لنا التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم بن مسعود، وعبد الله بن عباس، وذكرنا أن اختلاف الروايتين، بل اختلاف الصيغتين أن هذا مما جاءت به السنة في بعض العبادات، وبينا أن العبادات الواردة على وجوهٍ متنوعةٍ أن الصحيح فيها أن يفعل الإنسان هذا تارةً وهذا تارةً، لأجل أن يجمع بين السنن ويفعل جميع ما ورد، وبينا أن تنوع العبادات من رحمة الله بالعباد ومن حكمته لم يتضمنه من المصلحة، وأشرنا إليها فيما سبق، فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التسليم عليه أمر الله تعالى بها في القرآن فقال:{إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليمًا}[الأحزاب: ٥٦]. فأمر الله تعالى بالصلاة عليه، السلام علمه النبي- عليه الصلاة والسلام- أصحابه بأن أمرهم أن يقولوا:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته". أما الصلاة فلم يعلمهم، ولكن إذا صلى الإنسان على أي صيغةٍ كانت حصل بذلك الامتثال، لأن ما طلبه بشير بن سعد رضي الله عنه ليس كطلب اليهود في قصة البقرة التي أمروا أن يذبحوها فقالوا: ما هي؟ ما هي؟ ما هي؟ وإنما أراد رضي الله عنه أن يتبين له الكمال وإلا فإنه يعرف، وكل عالمٍ باللسان العربي يعرف أن المطلق يكتفى فيه بأي صيغةٍ كانت، فلو أن الإنسان قال:"اللهم صل على محمد" لكان قد امتثل قول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه}، ولكن