بشيرًا رضي الله عنه أراد الكمال، كما أن قوله:{وسلموا تسليمًا} لو قال: السلام على رسول الله كفى، ولكن الرسول- عليه الصلاة والسلام- علمهم صفةً أكمل:"السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته"، فكان بشيرًا رضي الله عنه أراد أن يتعلم من الرسول صلى الله عليه وسلم الصيغة الكاملة فقال:"قولوا: اللهم صل على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما صليت على إبراهيم، اللهم بارك على محمدٍ وعلى آل محمدٍ كما باركت على إبراهيم في العالمين".
قوله:"اللهم صل على محمد" اختلف العلماء في معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال بعضهم: إن الصلاة من الله: الرحمة، ومن الملائكة: الاستغفار، ومن الآدميين: الدعاء، ولكن هذا لا دليل عليه، بل إن الدليل على خلافه، لأن الله قال في القرآن:{أولئك علهم صلوات من ربهم ورحمة}[البقرة: ١٥٧]. فدل على ذلك أن الصلاة غير الرحمة، وهنا أضافها الله؟ على نفسه {عليهم صلوات من ربهم ورحمة}، فدل هذا على أن الصلاة من الله ليست هي الرحمة، إذ لو كان كذلك لكان الله تعالى عطف الشيء على نفسه، وهذا خلاف بلاغة القرآن.
فما هي الصلاة من الله؟ أحسن ما قيل في ذلك ما قاله أبو العالية رحمه الله:"بأن الصلاة من الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى" أن الله تعالى يذكره بالصفات الحميدة في الملأ الأعلى من الملائكة- عليهم الصلاة والسلام- الذي يحملون العرش ومن حوله، هؤلاء هم الملأ الأعلى، فيثني الله على عبده محمد- عليه الصلاة والسلام- بأن يصفه بصفاتٍ كثيرةٍ صفات المحامد التي يستحقها صلى الله عليه وسلم، وأما صلاتنا نحن فإذا قلنا:"اللهم صل على محمد" فإننا ندعو الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى وكذلك الملائكة؛ فإن دعاء الملائكة بالصلاة على الإنسان معناه: أنها تسأل الله أن يثني عليه في الملأ الأعلى كما جاء في الحديث الصحيح في منتظر الصلاة، الملائكة تصلي عليه ما دام في مصلاه تقول:"اللهم صل عليه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه"، وهذا أيضًا مما يدل على أن الصلاة غير الرحمة، بل هي أبلغ.
والحاصل: أن معنى قولك: "اللهم صل على محمد": اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى، أي: اذكره بصفات الكمال في الملأ الأعلى، وهذا من رفع الذكر له صلى الله عليه وسلم الذي أخبر الله به في قوله:{ورفعنا لك ذكرك}[الشرح: ٤]. إذا كان كذلك فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن فيما أوحاه الله إليه أن من صلى عليه مرةً واحدةً صلى الله عليه بها عشرًا، فأنت إذا قلت:"اللهم صل على محمد" تسأل الله أن يثني عليه مرة، فإن الله يثني عليك عشر مرات، ولهذا ينبغي الإكثار من