للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إبراهيم- عليه الصلاة والسلام- من أشد الناس صبرًا على أقدار الله، صبر على أمرٍ يتعجب الإنسان من صبره عليه، كان له ابن وحيدًا فريدًا أتاه على كبر، ولم يكن له ولد غيره، ومن المعلوم بطبيعة البشر أن الإنسان يحب ولده، ولاسيما إذا أتاه على كبر {فلما بلغ معه السعي} [الصافات: ١٠٢]. لم يكن في حالة طفولةٍ لم يلتفت إليه ولم يكن في حال كبر انعزل عنه وفارقه، بل كان في أشد حالٍ يتعلق بها الوالد بولده، قد بلغ معه السعي وصار يمشي معه، أمره الله تعالى بأن يذبح ابنه، سبحان الله العظيم! إن هذا لهو البلاء المبين أمره الله أن يذبحه، فعرض ذلك على الابن امتحانًا له لا استشارة له، أو أخذ برأيه لكن ليمتحنه قال: {إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} [الصافات: ١٠٢]. كان جواب الابن سديدًا عظيمًا: {قال يا أبت افعل ما تؤمر} الله أكبر! هذا هو المفروض أن يكون ابنك عونًا لك على طاعة ربك، ومع ذلك من الذي سيفقد الحياة؟ هذا الابن، فقدم طاعة الله على فقد حياته {افعل ما تؤمر} أيضًا لم يقل: افعل ما رأيت، {افعل ما تؤمر} إشارةً إلى أن هذا الأمر لابد أن يطاع، {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} [الصافات: ١٠٢]. انظر الأمر، ما قال: إن شاء الله افعل ما تؤمر، لكن فيما يتعلق بفعل نفسه قال: {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} وفعلًا صبر، {فلما أسلما} [الصافات: ١٠٣]. يعني: استسلما لأمر الله استسلامًا تامًا كاملًا {وتله للجبين} [الصافات: ١٠٣]. أي: على الجبين، وإنما تله على الجبين، وتله أيضًا ليس بالفرق الكامل لأجل ألا يعجز عن كبح نفسه في امتناعه من ذبحه، جعل جبينه إلى الأرض حتى لا يشاهد وجهه حين ذبحه {فلما أسلما وتله للجبين} أتى الفرج من رب العالمين- سبحانه وتعالى-، ولهذا حذف الجواب ليذهب في تقديره كل مذهب، كل ما يمكن أن تقدره جوابًا فهو صالح إذا كان السياق يساعد عليه {فلما أسلما وتله للجبين* وناديناه أن يا إبراهيم} [الصافات: ١٠٤].

وقول من قال من المعربين: إن الواو هنا زائدة غلط، ولكنها عاطفة على شيْ محذوف {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين} [الصافات: ١٠٥]. صدق الرؤيا؛ لأنه فعل كل الأسباب التي أراد ما بقي إلا أن يذبحه.

وقول من قال- بناءً على ما جاء في الإسرائليات-: إنه وضع السكين على رقبته فانقلبلت وما أشبه ذلك، كل ذلك كذب، لأنه لم يذكر في القرآن، ولأنه لو كان الأمر كذلك لعرف أن المسألة امتحان وانتهى الأمر، لكن جاء الفرج من الله عز وجل {قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزي المحسنين* إن هذا لهو البلاء المبين} [الصافات: ١٠٥، ١٠٦]. يعني بالبلاء: الاختبار المظهر لصدق المختبر، و {مبين} هنا بمعنى: مظهر: قال تعالى: {وفديناه بذبحٍ عظيم} [الصافات: ١٠٧]. إلخ، ولهذا سمي إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن كما قال تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا}

<<  <  ج: ص:  >  >>