للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النساء: ١٢٥]. وكما اتخذ الله إبراهيم خليلًا اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خليلًا كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله قد اتخذني خليلًا كما اتخذ إبراهيم خليلًا".

وبهذا نعرف أن ما يوجد في بعض صيغ الصلاة على الرسول- عليه والصلاة والسلام- أن إبراهيم خليل الرحمن، ومحمد حبيب الرحمن، هذا غلط عظيم، وفيه تنقص للرسول- عليه الصلاة والسلام- لماذا؟ لأن الخليل أشرف من الحبيب، كل مؤمنٍ حبيب الله {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} [البقرة: ٢٢٢]. والله يحب المؤمنين وما أشبه ذلك، لكن الخلة لا، ما تعلم أن أحدًا خليل الله إلا محمدًا وإبراهيم هذا الذي نعلمه، وعلى هذا فالذي يقول: محمد حبيب الله وإبراهيم خليل الله مخطئ، بل محمد خليل الله وإبراهيم خليل الله، والخليل أشرف وأعظم مرتبةً من الحبيب.

وأما قوله: "إنك حميد مجيد" فالحميد فعيل بمعنى فاعل وبمعنى مفعول، فحميد بمعنى فاعل، أي: حامد، فالله عز وجل حامد لكل من يستحق الحمد من عباده، ولذلك يثني على من يستحق الحمد من الأنبياء والصالحين، فهو فاعل، أي: فاعل للحمد، ومنه "سميع" بمعنى: سامع، وبصير بمعنى: مبصر، ومحتمل أن يكون (حميد) بمعنى: محمود، لأن الله- سبحانه وتعالى- محمود على كل حال، وهو محمود أيضًا على نعمه السابغة الكثيرة، وإذا كان اللفظ محتملًا للمعنيين ولا تناقض بينهما، فإن الصحيح أنه شامل لهما، وهذا ما يعرف عند العلماء بالمشترك، فإذا كان اللفظ المشترك صالحًا للمعنيين بدون تناقضٍ ولا تنافر، فإن الأول حمله على المعنيين جميعًا ما لم يوجد دليل على أن المراد أحدهما.

وقوله: "وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد" البركة: كثرة الخير واستقرار الخير، ومنه سميت البركة لكثرة ما فيها من الماء وقراره، فمعنى البركة: أن نسأل الله عز وجل أن ينزل الخير الكثير على محمدٍ صلى الله عليه وسلم وكذلك على آل محمدٍ صلى الله عليه وسلم بأن يجعل فيهم الخير الكثير الدائم من علمٍ نافعٍ وعملٍ صالحٍ ومصالح في الدنيا والآخرة، وبهذا عرفنا أن هذه الصلاة التي علمها النبي- عليه الصلاة والسلام- أمته هي أفضل ما يكون من صيغ الصلاة، وأن تلك الصيغة التي ابتدعها من ابتدعها من الناس كلها عند هذه الصيغة لا تساوي شيئًا، ونحن نحث جميع من أرادوا الصيغة المفضلة في الدعاء والذكر والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وغيرها على أن يلتزموا بما جاء في الشرع، فإنه خير من كل ما أحدث، وكثير مما أحدث تجده دائمًا قليل البركة وقليل النفع.

* * *

<<  <  ج: ص:  >  >>