الذي يكون دائمًا، لأن ذلك غير حاصل، وهم أيضًا آيسون من هذا، ولهذا ما سألوا الدفع ولو ساعةً من نهار، لأنهم قد علموا أن ذلك لا يمكن، وأيضًا هم ليس عندهم من الجرأة ما يدعون الله. قالوا لخزنة جهنم:{ادعوا ربكم}، أما هم- والعياذ بالله- فإنهم أذل في نفوسهم من أن يدعو الله عز وجل، ولعل هذا- والله اعلم- بعد أن يقول لهم الرب عز وجل:{اخسئوا فيها ولا تكلمون}[المؤمنون: ١٠٨]. هذا العذاب لا يتصور، يموتون من العطش فإذا استغاثوا- بعد أن يلحق بهم العطش ما يلحق- يغاثوا بماءٍ كالمهل يشوي الوجوه. "المهل": الرصاص المذاب- والعياذ بالله- أو أشد من ذلك، يشوي الوجوه قبل أن يصل إليها، ثم إذا شربوه- والعياذ بالله- يقول الله عز وجل:{وسقوا ماءً حميمًا فقطع أمعاءهم}[محمد: ١٥]. {كالمهل يغلي في البطون* كغلي الحميم}[الدخان: ٤٥ - ٤٦]، هذا غيثهم والعياذ بالله، ومع ذلك تحترق جلودهم، وكلما نضجت جلودهم يقول الله عز وجل:{بدلناهم جلودًا غيرها}[النساء: ٥٦]. لا لتخفيف الألم عنها ولا لكي تبرأ، ولكن {ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزًا حكيمًا}[النساء: ٥٦]. وتأمل مثل قوله:{كلما نضجت جلودهم بدلناهم}[النساء: ٥٦]. تدل على التكرار وأن ذلك دائمًا متكرر- والعياذ بالله-.
هذا العذاب العظيم الذي ما نحيط بوصفه فضلًا عن تصور حقيقته، هذا العذاب العظيم جدير بكل مؤمنٍ أن يسأل الله عز وجل أن يعيذه منه في كل صلاةٍ ما أعظمها من فائدةٍ أن يعيذك الله من هذا العذاب، ولهذا كان القول بوجوب الاستعاذة من هذه الأربع قولًا قويًا جدًا.
أما قوله:"ومن عذاب القبر" ففيه إثبات عذاب القبر، وأنه كائن لا محالة وهو كذلك، وقد دل عليه الكتاب والسنة وإجماع أهل السنة، أما الكتاب فإن الله تعالى يقول في آل فرعون:{النار يعرضون عليها غدوًا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}[غافر: ٤٦]. وفي قراءة:{أدخلوا آل فرعون أشد العذاب}، وفي قوله:{غدوًا وعشيًا}{ويوم تقوم الساعة} دليل على أن هذا العرض يكون قبل قيام الساعة، وكذلك قوله تعالى:{ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم} [الأنعام: ٩٣ [. وكأنهم يشحون بأنفسهم أن تخرج فتتفرق في الجسم فينزعونها نزعًا شديدًا كما ينزع السفود من الصوف المبلول- والعياذ بالله- {أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون}[الأنعام: ٩٣]. {اليوم}"أل" هذه للعهد الحضوري كما هو معروف في علم النحو {عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون}[الأنعام: ٩٣]. وكقوله تعالى:{ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق}[الأنفال: ٥٠]. الشاهد قوله:{يضربون وجوههم وأدبارهم} هذه آيات عظيمة تدل على ثبوت عذاب القبر.
أما الأحاديث فكثيرة جدًا بحيث تكاد تبلغ حد التواتر، فمنها حديث ابن عباسٍ رضي الله عنهما أن