ثم قال:"إنك أنت الغفور الرحيم" هذا كالتعليل للدعاء، لأنه سال شيئين هما المغفرة والرحمة، ثم أتى بعدهما باثنين من أسماء الله يتضمنان ذلك ومهما "إنك أنت الغفور الرحيم"، و"أنت" هنا يقول أهل النحو: إنها ضمير فصل، وضمير الفصل له ثلاث فوائد: التوكيد، والثاني: الحصر، والثالث: التمييز بين الخبر والصفة، ولهذا سمي فصلً يفصل. فأنت إذا قلت:"زيد الفاضل" يحتمل ان تكون "الفاضل" صفة لزيد والخبر ما بعد خبر، ولكن إذا قلت:"زيد هو الفاضل" يتعين أن تكون "الفاضل" خبرًا، ولهذا سمي ضمير فصل، والصحيح من أقوال المعربين: أنه حرف لا محل لله من الإعراب كما قال تعالى: {لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم}[الشعراء: ٤٠]. الغالبون أم الغالبين؟ {الغالبين} بالياء، فدل هذا على أنها لا محل لها من الإعراب، هذا الدعاء الذي علمه النبي- عليه الصلاة والسلام- الصديق رضي الله عنه ينبغي للإنسان أن يدعو به في صلاته إما بعد التشهد لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود:"ثم ليتخير من الدعاء ما شاء"، ولا شك أن ما عينه النبي- عليه الصلاة والسلام- وأرشد إليه خير مما نعينه نحن؛ لن الأدعية الواردة انفع وأجمع من الدعية المستحدثة، وإن كان الإنسان له أن يدعو بما شاء ما لم يكن إثمًا، لكن الحفاظ على الأدعية الواردة أحسن، وإما أن يقال: محله السجود لقول النبي- عليه الصلاة والسلام-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد" وأي دعاءٍ دعوت به سواء هذا أو هذا فإنه لا بأس به.
هذا الدعاء قلنا: غنه تضمن ثلاثة أمور يتوسل بها إلى الله في الدعاء: أولًا: الاعتراف والثناء والطلب، وقد يكون الدعاء مجرد إخبار بالحال واعتراف لقول موسى:{رب إني لما أنزلت إلي من خيرٍ فقير}[القصص: ٢٤]. أخبر عن نفسه فقط، والله عز وجل إذا أخبره عبده بحاله فمعناه: أنه يسأل أن يزيل تلك الحال إلى حالٍ خير منها، وقد يكون الدعاء دعاءً مجردًا فقط مثل قول الإنسان في صلاته:"رب اغفر لي وارحمني" بين السجدتين ما تقدمه ثناء، بل هو دعاء محض، وقد يكون الدعاء ثناءً محضًا؛ يعني: تثني على الله عز وجل، "اللهم أنت الكريم العظيم الرحيم" وما أشبه ذلك. فهذا أيضًا من الدعاء، ولهذا قال الرسول- عليه الصلاة والسلام-: "خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له ... " إلخ، هذا الحديث الذي علمه الرسول- عليه الصلاة والسلام- أبا بكرٍ جامع للأصناف الثلاثة.