ظلمًا كثيرًا، وفي رواية:"ظلمًا كثيرًا"، والفرق بينهما: أن الكبر باعتبار الكيفية والكثرة باعتبار الكمية، وأكثر الروايات على:"كثيرًا".
وقوله:"ظلمت نفسي" لماذا قال: "ظلمت نفسي" والإنسان لا يظلم نفسه وإنما يظلم غيره؟ نقول: لأن نفسك أمانة عندك، يجب عليك أن ترعاها حق رعايتها، فلهذا إذا نقصتها شيئًا مما يجب لها فإنك تكون ظالمًا لها، وبماذا يكون ظلم النفس؟ ظلم النفس يدور على شيئين: إما تفريط في واجب، أو انتهاك لمحرم هذا ظلم النفس، فمن فرط في واجباته فقط ظلم نفسه، ومن انتهك محارم الله فقد ظلم نفسه، ولهذا قال عز وجل:{ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}[الطلاق: ١].
وقوله:"ولا يغفر الذنوب لا أنت" هذا الثناء ثناء على الله بأنه لا أحد يغفر الذنوب إلا الله كما قال تعالى في سورة آل عمران: {ومن يغفر الذنوب إلا الله}[آل عمران: ١٣٥]. لو اجتمع الخلق كله على أن يغفروا لك زلةً من الزلات في حق الله عز وجل فإن ذلك لا يمكن، أما الذنوب التي بينك وبين الخلق فيمكن أن يغفروا لك كما قال الله تعالى:{قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله}[الجاثية: ١٤]. وقال تعالى:{وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم}] التغابن: ١٤]. لكن في حق الله تعالى لا يمكن لأحدٍ أن يغفر لك ذنبًا وإنما الذي يغفره الله عز وجل.
وقوله:"ولا يغفر الذنوب إلا أنت فاغفر ليه مغفرةً من عندك" هذا الدعاء "فاغفر لي" وقد سبق لنا مرارًا وتكرارًا أن المغفرة: ستر الذنب والتجاوز عنه؛ لأنها مأخوذة من المغفر الذي يغطى به الرأس عند الحرب، والمغفر يغطي الرأس ويقيه السهام ففيه ستر ووقاية، وقوله:"فاغفر لي مغفرةً من عندك" نكرها "مغفرة" لأن التنكير يدل على التعظيم، ثم زادها تعظيمًا بقوله:"من عندك" فأضافها إلى الله عز وجل لن المغفرة من الكريم تكون أعظم وأكبر.
وقوله:"وارحمني" عطف على "فاغفر لي" وذلك أن الإنسان محتاج إلى معونة الله تعالى في شيئين: غفران لذنوبٍ مضت، ورحمة يسلم بها من ذنوبٍ مستقبلة، والمغفرة للذنوب الماضية والرحمة للعصمة من الذنوب في المستقبل وجه آخر، قد يقال: المغفرة بها زوال المكروب، والرحمة بها حصول المطلوب، لأن الله عز وجل يذكر نعمه على عباده ويجعلها من آثار رحمته، وكله صحيح، فأنت إذا سالت الله المغفرة والرحمة، تسأل الله مغفرة ما سلف والرحمة في العصمة مما يستقبل، أو تسأل الله مغفرة الذنوب التي بها زوال المكروب والرحمة التي بها حصول المطلوب.