المسألة فورية ولا يتمكن، وإما لكونه غير أهلٍ للبحث والنظر في أدلة أهل العلم، وحينئذٍ يكون فرضه التقليد وقد اتقى الله ما استطاع.
لكن مع ذلك طالب العلم- أقول لنفسي ولكم- حتى لو اضطر في بعض الأحيان إلى التقليد لعدم التمكن من الاستدلال فلا يدع المسألة، بل يبحث ويجتهد حتى يفتح الله تعالى عليه، ثم إما أن يكون الأمر اتضح له بأنه على صواب أو أنه على خطأ، فإن كان على صوابٍ فليحمد الله وليستمر، وإن كان على خطأ فليستعتب وليرجع إلى الصواب.
٣٠٥ - وعن أبي بكرٍ الصديق رضي الله عنه أنه يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم:"علمني دعاءً أدعو به في صلاتي. قال: قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم". متفق عليه.
أولًا: اعرف أهمية هذا الدعاء وقدره لمن سال، ولمن سئل: فالسائل: أبو بكرٍ الصديق رضي الله عنه، وهو أحب الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو صاحب في هجرته، إذن لابد أن يكون لهذا الدعاء، شأن كبير، والمسئول: النبي- عليه الصلاة والسلام-، فسوف يعلم الصديق رضي الله عنه أجمع دعاءٍ وأنفعه. وقوله:"علمني دعاءً أدعو به في صلاتي" في هذا دليل على طلب العلم حتى من الكبراء، وأن الإنسان لا ينبغي له أن يأنف من طلب العلم، أو يقول: أنا عندي علم فلا تعلون، هذا أبو بكرٍ رضي الله عنه أعلم الصحابة ومع ذلك سأل النبي صلى الله عليه وسلم ان يعلمه دعاء.
وفي قوله:"علمني دعاءً أدعو به في صلاتي" دليل على أن الدعاء في الصلاة من أفضل ما يكون، فإن الصلاة فيها السجود الذي قال فيه النبي- عليه الصلاة والسلام-: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، وأمرنا أن نجتهد فيه بالدعاء، وقوله:"في صلاتي" لم يبين الموضع، فهل يكون في السجود أو بين السجدتين، أو بعد التشهد؟ ظاهر صنيع المؤلف رحمه الله أنه يكون بعد التشهد، لأنه ذكره في أدعية التشهد، ولكن الحقيقة أنه- أعني: الحديث- ليس فيه دليل على ذلك، فأنت لو دعوت الله في حال السجود أو بعد التشهد فكله حسن وحسب ما تيسر لك.
قال النبي- عليه الصلاة والسلام-: "اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم" هذا جمع بين الاعتراف والسؤال والثناء، فجمع كل أنواع ما يدعى به، لأن دعاء الله عز وجل إما أن يكون بالاعتراف وذكر الحال، أو بالثناء المجرد، أو بهذا وبهذا جميعًا، فهنا دعاء وثناء وذكر حال، أما الاعتراف وذكر الحال ففي قوله:"اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا" هذا اعتراف من الإنسان بأنه ظالم لنفسه