للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالذكر بعد الصلاة مأمور به بنص القرآن في الحضر وفي السفر، فهذه الآية جاءت في سياق صلاة الخوف وفي السفر، ولهذا قال بعدا: {فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة} [النساء: ١٠٣]. فالأذكار المشروعة بعد الصلوات مشروعة في الحضر وفي السفر، وقوله عز وجل: {فاذكروا الله قيامًا وقعودًا وعلى جنوبكم} يدل على تأكد هذا الذكر، لأن الله أمر به في كل الحالات سواءً كنت قائمًا مثل: أن يكون لك شغل فتقوم بعد السلام مباشرةً ملزمًا بهذا الذكر المشروع، وكذلك تؤدى هذه الأذكار إذا كنت قاعدًا، وإذا كنت مريضًا فليكن على جنبك، وهذا يعني: أن هذه الأذكار المشروعة عقب الصلوات أنت مأمور بالإتيان بها أمرًا مؤكدًا سواءً في سفرٍ أو حضر، يعني: تذكر الله عز وجل، وهذا الذكر المجمل في كتاب الله عز وجل بينه النبي- عليه الصلاة والسلام- بالسنة، لأن السنة تبين القرآن وتفسره، وتقيد مطلقه وتخصص عامه، وربما تأتي بأمورٍ ليست في القرآن في ذاتها ولكنها في القرآن من حيث عمومها، فغن كل ما أتانا الرسول- عليه الصلاة والسلام- فإن الله أمرنا بقبوله وأخذه، وما نهى عنه فإن الله أمرنا باجتنابه مما كان يقول النبي- عليه الصلاة والسلام في أذكار الصلوات هذا الحديث الذي ذكره المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

فنقول: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له"، وما معنى "لا إله إلا الله" يعني: لا معبود حق إلا الله، لا نقول: لا معبود إلا الله، لو قلت ذلك كان ذلك كذبًا؛ لأن هناك من يُعبد من دون الله، ولو قلت: لا موجود إلا الله كان هذا قولًا بوحدة الوجود؛ يعني: أن الخلق كلهم الله اهـ، لأن الخلق موجودون، ولهذا يغلط من قال: لا إله إلا الله، لي: لا موجود إلا الله، وإن قلت: لا إله موجود إلا الله كان ذلك أيضًا خطأ، لأنك إذا قلت: لا إله موجود. قلنا: بل هناك إله موجود كما قال الله تعالى: {واتخذوا من دون الله آلهةً لعلهم ينصرون} [يس: ٧٤]. وقال: {فلا تدع مع الله إلهًا آخر} إذن لا إله حق إلا الله، وفرق بين موجود وبين حق، لأن الموجود منه ما هو حق ومنه ما هو باطل {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه الباطل} [لقمان: ٣٠]. فإن الصواب أن "لا" نافية للجنس وأن "إله" اسمها، وأن خبرها محذوف تقديره: حق، وإنما سرنا إلى ذلك حتى لا نفسر بخلاف الواقع أو بتفسيرٍ ليس بصحيح، و"إلا الله" فإن "إلا" أداة استثناء، و"الله" بدل من الخبر المحذوف "إله" بمعنى: مألوه، وليست بمعنى: آله، لكن- سبحانه وتعالى- مألوه أي: معبود حبًا وتعظيمًا، وأهل الكلام ومن ضاهاهم يجعلون إله بمعنى: آله، ويفسرون الإله بالقادر على الاختراع وعلى الصنع، فيقولون: "لا إله إلا الله" أي: لا قادرة على الاختراع والإبداع إلا الله، ولو كان هذا معنى "لا إله إلا الله" ما أنكره المشركون، لأن المشركين يقرون بهذا أنه لا خالق إلا الله، لكن {إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون* ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعرٍ مجنون} [الصافات: ٣٦]. فلو كان هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>