والمشهور من المذهب أن كل الثلاثة حرام: اتخاذها واستعمالها في غير الأكل والشرب، واستعمالها في الأكل والشرب، والصحيح: أنها لا تحرم إلا في الأكل والشرب، استدل بهذا الحديث من قال: إن الكفار لا يخاطبون بفروع الإسلام ولا يعاقبون عليها لقوله: "فإنها لهم في الدنيا" واللام للإباحة، وإن شئت فقل: للاختصاص، وهذا أحد الأقوال في المسألة أن الكفار لا يخاطبون بفروع الإسلام كما أنهم لا يخاطبون بأصل الإسلام، وقال بعض أهل العلم: إنهم مخاطبون بفروع الإسلام، واستدلوا بقول الله تعالى:{إلا أصحب اليمين في جنت يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين}[المدثر: ٣٩ - ٤٦].
ووجه الدلالة من الآية: أنهم لولا أنهم عذبوا على هذه الأعمال لم يكن لذكرها فائدة، ومن جملة ما ذكروا: أنهم لا يطعمون الطعام، وإطعام الطعام أعلاه الزكاة وتاركها لا يكفر؛ فدل هذا على أنهم مخاطبون بفروع الإسلام هذا من جهة الأثر، من جهة النظر إذا قيل: إذا كان المسلم يعاقب على ترك هذه الأشياء ويخاطب بها فالكافر من باب أولى، ها هو الراجح. والجواب عن حديث حذيفة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن الواقع، والإخبار عن الواقع لا يدل على الجواز كقول النبي صلى الله عليه وسلم:"لتركبن سنن من كان قبلكم حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه". قالوا: اليهود والنصارى؟ قال:"فمن؟ ". فأخبر أننا سنركب ذلك وأكد ذلك، ومع هذا فإنه لا يجوز بالإجماع.
كذلك أخبر أن الظعينة وهي المرأة تسير من كذا إلى كذا لا تخشى إلا الله، وهذا المراد به: استتباب الأمن، وليس المراد أن ذلك جائز، فالإخبار عن الواقع كونا وقدرا لا يدل على جوازه شرعا، فهي لهم في الدنيا؛ لأنهم يستعملونها ولا يبالون، ولكن هذا ليس إقرارا لهم عليها.
فإن قال قائل: إذن إذا رأينا كافرا يشرب في آنية الذهب والفضة على هذا التقدير يجب أن ننكر عليه؟
قلنا: لا يجب؛ لأن الواجب دعوة الكافر أن نبدأ بالأهم فالأهم، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذا إلى اليمن أمره أن يكون أول ما يدعوهم إليه هو شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، ثم إن أجابوا أخبرهم بفرض الصلاة، ثم إن أجابوا أخبرهم بفرض الزكاة. فدل هذا على أننا نأمرهم أولا إن يسلموا، نعم يجب علينا أن ننكر عليهم ما يعلنونه من شعائر كفرهم