وسيعود" فعاد في الليلة الثالثة، ولكنه أمسكه أبو هريرة واعتذر، ولكن قال: "ما أطلقك إلا عند الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: إني أخبرك بآيةٍ إذا قرأتها لم يزل عليم من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح آية الكرسي، فلما أصبح أبو هريرة غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بالخبر فقال:"صدقك وهو كذوب"، صدقك ليس لأنه صاحب عيال، لكن صدقك بأنك إذا قرأت هذه الآية في ليلةٍ لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربك شيطان حتى تصبح.
هذه الآية اشتملت على عشر جمل {الله لا إله إلا هو الحي القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السموات وما في الأرض من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء وسع كرسيه السموات والأرض ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم}[البقرة: ٢٥٥].
أما معانيها من حيث الإجمال ففي قوله:{لا إله إلا هو} توحيد الله عز وجل، وهذه كلمة أعظم كلمةٍ يقولها الإنسان "لا إله إلا الله" بعث بها الرسل، وأنزلت به الكتب، {وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}[الأنبياء: ٢٥]. وفي الأثر الذي قال الله تعالى فيه لموسى:"لو أن السموات السبع وعامرهن غيري والأرضين السبع في كفةٍ ولا إله إلا الله في كفةٍ مالت بهن لا إله إلا الله" كلمة عظيمة، لأن فيها توحيد الله بالألوهية، "لا إله إلا الله" إثبات ونفي، وهذا هو حقيقة التوحيد، الإثبات بدون نفي ما يدل على التوحيد، والنفي المطلق تعطيل محض، لو قلت:"زيد قائم" ما دل على أن غيره لم يقم، لكن إذا قلت:"لا قائم إلا زيد" دل على أن غيره ليس بقائم، كذلك لو قلت:"لا إله إلا الله" دليل على أنه لا إله إلا الله، ما فيه إله سوى الله، ولكن هذه الجملة فيها خبر مقدر لابد منه وهو:"حق" يعني: لا إله حق إلا الله، و"الله" يدل من ذلك الخبر، لأننا لو قلنا بهذا التقدير فهو يعني: أنه توجد هناك آلهة تعبد من دون الله تسمى: آلهة، لكنها آلهة ليس لها حق في الألوهية، ولهذا قال الله تعالى في آيةٍ أخرى:{إن هي إلا أسماء سميتموها انتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان}[النجم: ٢٣]. فهي وإن عبدت واتخذت إلهًا فإنها ليس لها ألوهية حقيقة، ولهذا نقول:"لا إله حق إلا الله".
وقوله:{الحي القيوم} هذان وصفان ينتظمان جميع الأسماء الحسنى، ولهذا ورد في الحديث