للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو دون العرش، ولهذا جاء في الحديث أن السموات السبع والأرضين السبع في الكرسي كحلقةٍ ألقيت في فلاةٍ من الأرض.

ما هي الحلقة؟ أي: حلقة الدرع، وهي حلقة مثل حلقة السلسلة الصغيرة تلقى في فلاةٍ من الأرض تسع نصف الفلاة أو ثلاثة أرباع الفلاة؟ لا، ليست بشيءٍ بالنسبة للفلاة، السموات السبع والأرضين السبع بالنسبة للكرسي كحلقةٍ ألقيت في فلاةٍ من الأرض، وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة، يعني: أن هذا شيء لا يتصور من حيث العظمة، علام تدل عظمة هذه المخلوقات؟ تدل على عظمة الخالق- جل وعلا- لأن عظم المخلوق يدل على عظم الخالق، كما أن عظم المصنوع من صنعنا يدل على عظم الصانع، فالرب عز وجل إذا كان كرسيه قد وسع السموات والأرض فما بالك بالعرش، وهو دليل على عظم الله عز وجل وكمال قدرته.

{ولا يئوده حفظهما} {يئوده} بمعنى: يثقله، {حفظهما} حفظ السموات والأرض بما فيهما من المخلوقات التي لا يحصى أجناسها إلا الله فضلًا عن أنواعها، فضلًا عن أفرادها، لا يثقل الرب عز وجل حفظ السموات والأرض لكمال علمه وكما قدرته، وكونه حافظًا فيه كمال الرحمة وكمال الإحسان، فهو لكمال العلم والقدرة والرحمة والإحسان يحفظ السموات والأرض ولا يثقله حفظهما.

{وهو العلي العظيم} سبحانه وبحمده من هذه عظيمة مخلوقاته، وهذه عظيمة صفاته، فهو العظيم بكل معنى العظمة، وهي العلي بذاته وصفاته، أما العلي بذاته فهو فرق كل شيء، ليس فوق الله شيء، وليس مع الله شيء، بمعنى: أنه ليس شيء محاذيًا لله، وليس شيء فوق الله، بل كل شيء تحت الله عز وجل هذا علو الذات.

فإن قلت: أليس قد ثبت في الحديث الصحيح: "أن المقسطين على منابر من نورٍ يوم القيامة علي يمين الرحمن" فهل يلزم من ذلك أن يكونوا محاذين له؟

الجواب: لا، لا يلزم، هم على يمين الرحمن لكنهم تحت، ولا يلزم من أن يكونوا محاذين له؛ لأن الله عز وجل له العلو المطلق من جميع الوجوه، والعلو معناه: أنه لا أحد يساويه، بل كل شيء فهو تحت الله عز وجل كذلك أيضًا له علو الصفات، ما معنى علو الصفات؟ معناه قوله تعالى: {ولله المثل الأعلى} [النحل: ٦٠]. كل صفة عليا وكمال ليس فيها نقص بوجه من الوجوه فإنها لله- سبحانه وتعالى-.

<<  <  ج: ص:  >  >>