ثم قال:{له ما في السموات وما في الأرض}: وهذه الجملة تدل على عموم ملك الله، له ما في السموات وما في الأرض، وعلى اختصاص الله تعالى بذلك الملك، أما عموم الملك فهو مأخوذ من قوله:{ما في السموات}{ما} من الأسماء الموصولة فهي للعموم، وأما انفراده بالملك فهي مأخوذة من تقديم الخبر {له ما في السموات وما في الأرض} ففيها عموم ملكه- سبحانه وتعالى-.
{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}{من} استفهام بمعنى النفي، من الذي يستطيع أن يشفع عند الله لا بإذنه؟ لا أحد، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يشفع إلا بإذن الله، وذلك لكمال سلطانه وعظمته، لا أحد يقدر أن يتكلم ولا بالشفاعة إلا بإذنه، ولهذا ملوك الدنيا كلما كان الملك أهيب في قلوب الناس تجد الكلام في مجلسه أقل، يهابونه في كلامه لعظمته عندهم، فالرب عز وجل لا أحد يشفع عنده إلا بإذنه ولو كان أقرب الخلق إليه وأعظمهم عنده منزلة، لماذا؟ لكمال سلطانه عز وجل، لا أحد يتكلم إلا بإذنه.
{يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم} هذه أيضًا جملة تدل على عموم علمه- سبحانه وتعالى- {ما بين أيديهم} المستقبل، {وما خلفهم} الماضي، فكل ما كان وما يكون فالله عالم به.
{ولا يحيطون بشيءٍ من علمه إلا بما شاء} قال بعض العلماء: {من علمه} أي: من معلومه، فعلمه مصدر بمعنى: اسم مفعول كما في الحديث: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد"، "رد" بمعنى: مردود، فعلم بمعنى: معلوم، يعني: لا يحيطون بشيءٍ مما يعلمه الله إلا بما شاء، وقيل: المعنى: لا يحيطون بشيءٍ من علم الله، أي: ما يعلمون شيئًا عن الله إلا بما شاء، يعني: ما نعلم شيئًا من أسمائه، ولا من صفاته، ولا من أفعاله إلا بما شاء، والصحيح كان الآية شاملة لهذا وهذا، فنحن لا نحيط بشيءٍ من معلوماته، ولا بشيءٍ مما يتعلق بعلم ذاته وأسمائه وصفاته إلا بما شاء.
ثم قال:{وسع كرسيه السموات والأرض}، الكرسي دون العرش، وأقل منه بكثير، وهو واسع للسموات والأرض السموات كم عدد السموات؟ سبع، وهي واسعة أم لا؟ واسعة:{والسماء بنيناها وإنا لموسعون}[الذاريات: ٤٧]. انظر المسافات بين الأرض والسماء الدنيا، والمسافات بين السماء الدنيا والثانية، وبين الثانية والثالثة، وبين الثالثة والرابعة، وكلما اتسعت المسافة ازداد الكبر، قشرة البيضة العليا أوسع من الصفرة التي في جوفها، والبياض الذي تحت القشرة أوسع من الصفرة، إذا كان الكرسي محيطًا بالسموات والأرض فمعناه: أنه عظيم جدًا