قوله:"قام من الركعتين ولم يجلي" يعني: ترك التشهد الأول (صلى الله عليه وسلم)، "فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبَّر فسجد سجدتين وهو جالس، ثم سلم مكان ما نسي من الجلوس"، الصورة: كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يصلي الظهر، فقام من الركعة الثانية ولم يجلس للتشهد الأول وقام الناس معه، فلما انتهت الصلاة لم يبق إلا أن يسلم سجد سجدتين، يكبر كلما سجد وكلما رفع ثم سلم.
يستفاد من هذا الحديث: أن التشهد الأول ليس بركن؛ لأنه لو كان ركنًا لا تصح الصلاة إلا به لوجوب الرجوع إليه حتى تصح الصلاة، لكنه واجب، خلافًا لمن قال: إنه يستدل بهذا الحديث على أن التشهد الأول ليس بواجب؛ لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما رجع إليه، ولو كان واجبًا لرجع إليه، ولكن الصحيح أنه واجب لقول ابن مسعود:"كنا نقول قبل أن يفرض عليما التشهد .. إلخ" وهذا صريح بأن التشهد فرض.
ويستفاد من هذا الحديث: أن الإنسان إذا قام إلى التشهد الأول لا يرجع إليه، لماذا؟ لأنه واجب يسقط بالنسيان، ولو رجع إليه لزاد في صلاته.
وهل يحرم الرجوع إذا استتم قائمًا أولًا؟ يحرم إلا إذا شرع في القراءة، قولان لأهل العلم، والصواب: أنه بمجرد أن يستتم قائمًا يحرم عليه الرجوع سواء قرأ أو لم يقرأ؛ لأنه لا دليل على التخصيص، ففي حديث المغيرة بن شعبة أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: "إن استتم قائمًا فلا يرجع وعليه السهو"، والنهي الأصل فيه التحريم، فالصواب: أنك إذا استتمت قائمًا ما ترجع، إن ذكرت قبل أن تستتم قائمًا ترجع، ولكن هل عليك سجود السهو؟ يقول الفقهاء -رحمهم الله-: إنه إذا نهض عن الجلوس وجب عليه أن يسجد للسهو، يعني: ارتفع بحيث تفارق أليتاه عقبيه لا هو نهض ولا استتم، يرجع ويسجد للسهو، ولكن حديث المغيرة بن شعبة الذي أشرت إليه يقول فيه النبي (صلى الله عليه وسلم): إنه لا سهو عليه، والحديث فيه كلام، فإن من أهل العلم من ضعفه، ولكن الصحيح أنه لا يصل إلى درجة الضعيف، فالفقهاء -رحمهم الله- قالوا: إنه لما ارتفع عن مكان الجلوس صار زائدًا في صلاته فوجب عليه سجود السهو، والحديث يقول:"لا سهو عليه"، ووجهه -والله أعلم-: أن النهوض ليس مقصودًا لذاته، وإنما المقصود القيام ولم يصل إلى حده، فكأن هذه الزيادة ملغاة؛ لأنها في الواقع ليست مقصودة، وإنما هي وسيلة أن يصل إلى القيام، وعلى كل حال في هذه الصورة نقول: السجود لا يجب إن سجد بناء على ما قال الفقهاء من أجل أن الحديث فيه كلام وضعف فلا حرج عليه.
ويستفاد من هذا الحديث: أنه يجب على المأمومين أن يتابعون الإمام إذا قام عن التشهد