للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول سهوًا، الدليل أن الصحابة قاموا مع النبي (صلى الله عليه وسلم) ولو أنه واجب لنهاهم أن يدعوا الواجب وهو التشهد من أجل متابعة الإمام الواجبة؛ لأنه لا يترك الواجب -وهو التشهد- إلا بواجب، وعلى هذا فيجب على المأمومين إذا قام الإمام على التشهد الأول سهوًا، يجب عليهم أن يقوموا معه، ولا يحل لهم أن يتخلفوا عنه.

ويدل الحديث بالإيماءة: على أن الإمام إذا كان لا يجلس للاستراحة؛ فإنه لا ينبغي للمأموم أن يجلس للاستراحة ولو كان يراها، ولهذا صرح شيخ الإسلام ابن تيمية على أن جلسة الاستراحة هي عند من يرى أنها مشروعة مطلقًا إذا كان مأمومًا فإنه يتابع إمامه في عدم جلوسه، كما أنه لو كان يرى الجلسة وجلس إمامه فإنه يتابع إمامه، ومتابعة الإمام بها أهمية.

ويستفاد من هذا الحديث: أن سجود السهو لمن ترك التشهد الأول، متى يكون؟ قبل السلام؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) سجد قبل السلام، وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فلما سجد قبل السلام بسبب التشهد الأول وقد قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي" صار محله قبل السلام، وهل ذلك على سبيل الوجوب أو على سبيل الأفضلية؟ ذهب أكثر أهل العلم إلى أنه قبل السلام وجوبًا؛ لقوله (صلى الله عليه وسلم) "صلوا كما رأيتموني أصلي"، ولم يرد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه سجد بعد السلام في حال يكون فيه سجوده قبل السلام حتى نقول: إن المسألة على التخيير والأفضلية، وإنما سجد قبل السلام في موضعه، وبعد السلام في موضعه.

ويستفاد من هذا الحديث: أن الواجبات لا تسقط بالنسيان، بل لابد من فعلها أو فعل ما يكون بدلًا منها، فهنا سقط التشهد الأول، لكن لم يسقط ما يكون بدلًا منه، وهو سجدتا السهو، وعلى هذا نقول: من ترك واجبًا من واجبات الحج فهل يسقط عنه الدم على القول بوجوب الدم لمن ترك واجبًا؟ لا يسقط؛ لن له بدلًا، لكن إذا تركه سهوًا فلا إثم عليه، وإن تركه عمدًا فعليه الإثم والفدية، وإن تركه سهوًا فعليه الفدية دون الإثم.

ويستفاد من هذا الحديث: تيسير هذه الشريعة وتسهيلها وأن الإنسان العامل لا يعدم عمله؛ إذ من الجائز أن يكون من ترك التشهد الأول مع وجوبه أن تكون صلاته باطلة ويلزم بإعادة الصلاة، ولكن من رحمة الله وتيسيره جعل ترك هذا الواجب به بدل يجبره وهو السجود.

ويستفاد من هذا الحديث: فضيلة السجود على غيره من أفعال الصلاة؛ لأنه الذي اختاره الله أن يكون جابرًا، ما جعل الركوع جابرًا، جعل الجابر السجود ليس غير، وهذا دليل على أنه أفضل أركان الصلاة وهو كذلك؛ فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد لكن إذا قلت وأيهما أفضل القيام أو السجود؟ نقول: هذا محل خلاف بين العلماء بعضهم قال القيام أفضل وبعضهم قال السجود أفضل، والصحيح أن نقول: القيام أفضل بذكره، والسجود أفضل بهيئته،

<<  <  ج: ص:  >  >>