يلحقه النسيان، ولكن كونه يسلم قبل التمام أمر يمكن أن يكون نسيانًا، ماذا قال له؟ قال:"بلى قد نسيت"، النسيان ممكن، لكن كون الرسول ينفي أن يكون الحكم قد تغير وهو متغير هذا غير ممكن؛ لن هذا من باب البلاغ، ولا يمكن للرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يبلغ خلاف الشرع. قال:"بلى، قد نسيت" لما قال: "بلى قد نسيت" وعزم عليه والنبي أشد الناس توضعًا رجع إلى المصليين الآخرين والرسول كان في الأول جازم أنه ما حصل شيء لا نقص ولا نسيان، لكن لما جزم الصحابي وقال:"بلى قد نسيت" قال: يمكن، فقال:"أحق ما يقول ذو اليدين؟ " قالوا: نعم، وفي رواية:"فأومئوا أن نعم" والجمع بين "قالوا" و "أومئوا" يشير جدًا، وذلك بان نقول: بعضهم أو ما يرأسه، وبعضهم قال: نعم، فلما قالوا ذلك تبين للرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الصواب مع ذي اليدين، فتقدم فصلى ما ترك يعني: الركعتين الياقيتين، ثم سلم ثم سجد سجدتين مثل سجوده في الصلاة أو أطول ثم سلم.
فيستفاد من هذا الحديث فوائد كثير: الفائدة الأولى: أن الجهل بالعين أو الجهل بالتعيين لا يقدح في صحة الحديث لقوله: "إحدى صلاتي العشي"؛ ولهذا قال أهل العلم بالمصطلح: إن اختلاف الرواة في مثل ذلك لا يعد اضطرابًا في الحديث ولا موجبًا لضعفه، كما ذكروا لذلك أمثلة متعددة منها: حديث فضالة بن عبيد في شرائه القلادة من الذهب اشتراها باثني عشر دينارًا، وقال بعضهم: بعشرة، وقال بعضهم بأقل أو بأكثر، لكن هذا الاختلاف لا يؤثر في صحة الحديث، لماذا؟ لأنه لا يعود إلى أصله، إنما يعود إلى أمر فرعي، لهذا "إحدى صلاتي العشي"، إذا قال بعض الرواة: إنها العصر، وقال بعضهم: إنها الظهر هل يوجب هذا ضعف الحديث؟ لا؛ لأن الكلام على الأصل ودرك الحكم.
ويستفاد من هذا الحديث: جواز النسيان على النبي (صلى الله عليه وسلم)، من أين يؤخذ؟ من قوله:"بلى قد نسيت"، فأقره النبي (صلى الله عليه وسلم) بدليل أنه رجع إلى قول الصحابة يسألهم. ومنها: أن المؤمن كلما كان أكمل إيمانًا صارت نفسه لها حالات عند فعل الطاعة على الكمال وعند نقصها، تجده إذا أنهى العبادة كاملى انشرح صدره؛ لأن الله يقول:{أمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه}(الزمر: ٢٢). وإذا لم يتمها صار عنده شيء من الانقباض؛ لأن العبادة لم تتم، وهذا من لطف الله بالعبد، وأظن أني قد ذكرت لكم قصة في رجل كان ورعًا لا يأخذ من مال غيره شيئًا إلا بحقه، وأنه في يوم من الأيام قطع له أثله وجعلها تيبس في الشمس ليأخذها حطبًا وكان له جار، وكان هذا الجار أيضًا قد قطع أثلته وجعلها تيبس يأخذها حطبًا، هذا الرجل خرج ذات يوم ليحمل الخشب إلى بيته فجاء إلى الخشب وأناخ البعير وشد الخشب فحمله على البعير وشده ثم نهر البعير- زجرها- لتقوم ولكنها أبت أن تقوم فأخذ يضربها ويزجرها وهي لا تقوم فتعجب!