للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم أنه ليس فيها زيادة ولا نقص فإنه لا سجود عليه، مثال ذلك: شككت هل صليت ثلاثًا أو أربعًا، وجعلتها ثلاثًا وجئت بأربع، ولما جلست في التشهد الأخير ذكرت أن هذا هو الصواب، وأنك لم تزد في صلاتك ولم تنقص؛ وأنك مصيب فيما فعلت فهل عليك سجود؟

المشهور من مذهب الحنابلة: أنه لا سجود عليك؛ لأن السجود لجبر الشك وقد زال، وقال بعض العلماء: عليك السجود؛ لأن الركعة الأخيرة أديتها وأنت متردد فيها: هل هي تتميم لصلاتك أو هي ركعة زائدة، لكن ظاهر فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الحديث يدل على أنه إذا تبين للإنسان أنه مصيب فيما فعل فإنه لا سجود عليه، كما أنه لو تبين أنه مخطئ فعليه السجود.

ويستفاد من هذا الحديث: أنه لو زاد في صلاته وذكر قبل أن يسلم أنه زاد فإنه يجب عليه السجود، لكن يكون بعد السلام.

فإن قال قائل: إن النبي (صلى الله عليه وسلم) إنما سجد بعد السلام؛ لأنه لم يعلم إلا بعد السلام، فإن علم قبل أن يسلم لسجد قبل أن يسلم؟ نقول: لا، بل القاعدة: أن كل سجود سببه الزيادة فمحله بعد السلام.

مسألة: رجل صلى الظهر خمسًا وقبل أن يسلم علم يقينًا أنه صلى خمسًا فهل نقول: سلم ثم اسجد، أو أسجد ثم سلم؟ نقول: سلم ثم أسجد؛ لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) لما صلى خمسًا سجد بعد السلام فإن قلت النبي (صلى الله عليه وسلم) سجد بعد السلام؛ لأنه لم يعلم إلا بعد أن سلم فكيف تقيس عليه ما إذا علم بالزيادة قبل أن يسلم؟

فالجواب أن نقول: لما سجد النبي (صلى الله عليه وسلم) بعد السلام لهذه الزيادة ولم يقل للأمة: إن زدتم فاسجدوا قبل السلام علم أن محل السجود في الزيادة يكون بعد السلام، وبهذا نقول: متى زاد الإنسان في صلاته ركوعًا بان ركع مرتين، أو سجودًا بان سجد ثلاث مرات مثلًا، أو ركعة كاملة بأن صلى خمسًا في رباعية فإنه يسلم أولًا ثم يسجد للسهو بعد السلام، ويكون الضابط الآن: "كل سجود سببه الزيادة فمحله بعد السلام".

ويستفاد من هذا الحديث: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بشر كغيره من البشر، كل الخصائص البشرية تنطبق عليه، فيعتريه النسيان والجهل والمرض والجوع والعطش والألم والأرق، فكل شيء يعتري البشر فإنه يعتري الرسول (صلى الله عليه وسلم)، وبهذا قال: "إنما أنا بشر" وأكد البشرية بقوله: "مثلكم" كما أمره الله أن يقول: إنه بشر: {قل إنما أنا بشر مثلكم} لكن يتميز عنهم بالرسالة ولهذا قال: {يوحي إلي أنما إلاهكم إله واحد} (الكهف: ١١٠). وينبني على هذه الفائدة بطلان دعوى من يدعي لأنه يعلم الغيب، فإن النبي (صلى الله عليه وسلم) لا يعلم الغيب، وقد أمره الله تعالى أن يقول: {قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن اتبع لا ما يوحي إلي} (الأنعام: ١٥). وينبني عليه أيضًا:

<<  <  ج: ص:  >  >>